أبواب

شموع ودموع

محمد المرزوقي

مدخل: (!) علامة التعجب ليست سوى شمعة، نغرسها في كعكة عيد الميلاد، لنحتفل ببقائنا أحياء في هذا العالم سنة أخرى!



***



لا أحب عادة أعياد الميلاد ولا أحتفل بها، فالهدايا لا تثيرني، ما لم تكن كتاباً أو قلماً، والدعوات بالعمر المديد الذي يمتد إلى 100 عام لا تهزني، و«الجاتوه» لا يسيل له لعابي، وأفضّل عليه طبقًا من «الخنفروش» أو «الغريبة»، أمّا الأصدقاء فلا أحب أن يُظهروا لي المحبة في مواسم معينة، للحصول على رضاي، وربما للحصول على قطعة من «الجاتوه». ولأنني أعتقد أن الفرح كلما كان عفويًا كان أكثر صدقًا، أشعر بالريبة تجاه كل أنواع الاحتفالات التي تصاحبها كمية كبيرة من الصخب، والأغنيات الراقصة، والمفرقعات.. والنفاق بطبيعة الحال. لذلك عندما وصلتني رسالة إلكترونية من أحد الأصدقاء يبارك لي فيها عيد ميلادي، ويتمنى لي أن أعيش 100 سنة أخرى، وكأنه رجل أعمال يصرف الأموال والأعوام من جيبه، رددت عليه بأني «لا أريد أن أعيش أكثر من الحصة المخصصة لي من الحياة». لكن، بعد التفكير ملياً، اكتشفت أن عيد الميلاد هو بالفعل مناسبة خاصة، ليلة أحتفل فيها بنفسي. جميلٌ أن نحتفل بنا على سبيل التغيير، بدلاَ من أن نحتفل بالآخرين دائمًا، لذلك أرجوكم، لا تزاحموني، فقد قررت أن أخصّص هذه الليلة لي وحدي:

سأعتمر قبعة الأطفال الأسطوانية

وأغني لنفسي أغنيات مبتذلة

وأشرب وإياها الشاي.

وحين يبدأ طقس إشعال الشموع وإطفائها، سأفتش في قلبي عن أمنيات لم تتحقق، ثم سأغمض عينيّ وأبتسم - بخبث - وأتمنى أن ينزلق بشار الأسد بصابونة في الحمام، ويدق عنقه!

تأملوا معي، أليست هذه الطريقة أسرع وأكثر ضمانة لتنحية الأسد عن الحكم، من الطريقة التي يتبعها مجلس الأمن، فبعد مجزرة الغوطة الأخيرة مثلا، دعا بان كي مون إلى إرسال لجنة للتحقق من إن كان نظام الأسد استخدم أسلحة كيميائية. يا له من رجل طيب، وكأنه يريد أن يطمئن أن الشعب السوري لا يباد إلا قصفًا بالرشاشات والمدافع!

والعيد بالعيد يذكر، انتشر - مؤخرًا - مقطع فيديو مستفزّ لبشار الأسد وهو يحتفل بعيد ميلاد شقيق زوجته، وإن كنتم ممن يتابعون الصور ومقاطع الفيديو الهاربة/ المهربة من سورية ستفهمون قصدي من وصف المقطع بالمستفز، فحفلة من هذا النوع، وفي هذا الوقت ليست سوى استفزاز متعمد لمشاعر السوريين الذين يموتون يوميًا بالجملة وبالمفرّق.

في المقطع المسرّب، يظهر صوت بشار الأسد وهو يغني بصوت عالٍ «هابي بيرث داي». لوهلة يخيل إليك أن صوته المرتفع ما هو إلا محاولة يائسة للاطمئنان إلى أن أوجاع/أصوات الشعب السوري لن يسمعها سواه، أو ربما كان يعتقد أنه كلما علا صوته استطاع قمع صرخات الثكالى والأطفال!

ما لفت نظري - كذلك - في المقطع المسرّب، أن كعكة عيد الميلاد كانت خالية من الشموع، وتساءلت: هل هناك نقص في مخزون الشموع في سورية، حتى لا يجد الأسد 100 ألف شمعة، كعدد ضحايا الأزمة السورية، يزين بها كعكة عيد الميلاد؟


***



مخرج: (؟) علامة الاستفهام ليست سوى علامة تعجب أنهكتها الأيام، وأحنت ظهرها الآلام.

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .
 

تويتر