أبواب

أنا أغرّد.. إذاً أنا موجود

محمد المرزوقي

تمنحك مواقع التواصل الاجتماعي نعمة أن تكون موجودا بالصورة التي تتمناها، وتتمنى أن يراك بها العالم، وهذه، قطعاً، ليست من ضمن الخدمات التي يقدمها الواقع الحقيقي، ما يجعل كثيرين منا يهربون منه إليها. تستطيع من خلال هذه المواقع أن تدعي مثلاً: أنك الشخص الذي وضع علامة (x) على باب المنزل الذي كان يتوارى خلفه أسامة بن لادن لتقصفه القوات الأميركية، أو أنك الرجل الملثم الذي لفّ حبل المشنقة حول عنق الرئيس صدام حسين، أو أنك الشيطان الذي وسوس للرئيس الأميركي هاري ترومان ليلقي بالقنبلتين على هيروشيما وناجازاكاي.. إلخ، من أمور نرجسية لا يحققها سوى مصباح علاء الدين السحري، أو مواقع التواصل الاجتماعي!

هذه النرجسية الملعونة، رغم أننا جميعا قد نصاب بها ولأسباب مختلفة، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي صممت خصيصا لإشباعها وتنميتها، في دواخلنا، بمعدلات مَرَضيّة وفي اتجاهات خطرة. فهي مصممة بطريقة تجعل الشخص المدمن على استخدامها يشعر بأنه محور هذا العالم، وأنّه أعظم من سارت به قدمان، وأن العالم يدور حول: صوره، تغريداته، أصدقائه الافتراضيين، وإنجازاته.. الوهمية منها والحقيقية. وهكذا تتحول هذه المواقع، شيئا فشيئا، من أدوات للتواصل الاجتماعي، إلى أدوات للتفاخر الاجتماعي.

يذكر طوني صغبيني في كتابه «العيش كصورة: كيف يجعل الفيس بوك حياتنا أكثر تعاسة»، كيف أن هذه المواقع تؤدي إلى تعزيز ثقافة المقارنة. فـ«فيس بوك» و«الانستغرام» هي - بطريقة أو بأخرى - أماكن لإعلان الإنجازات وللتفاخر، سواء أكان ذلك عبر صورة جميلة لنا ونحن نقف مع شخصية مشهورة، أو صورة لسيارتنا «البورشه» الفارهة، أو صورة لطبق الباستا في أحد فنادق أبوظبي الفخمة. أما في «تويتر» فيتجلى هذا التفاخر في تغريدات تظهر التزامنا الديني والسياسي والإنساني، حتى إن كنا أبعد ما نكون عن هذه الالتزامات، أو في تغريدات تتحدث عن روعة ما فعلناه بالأمس، وما سنفعله اليوم، وما نخطط لفعله غدا.

يستطرد طوني صغبيني ليؤكد أن المقارنة قد تكون غير مقصودة، لكنها تحدث بطريقة تلقائية؛ ففي العديد من الأحوال يجد الشخص نفسه، من دون أن يدري، يقارن حياته مع حياة غيره في «فيس بوك» و«تويتر». ومن دون أن يدري كذلك أن حياة غيره ليست بالروعة التي يتصورها، فهذه المواقع كمرآة السيارة الجانبية تمامًا، تظهر حياتنا أبعد مما هي عليه في الواقع.

لذلك ما أجمل أن يكون الإنسان صادقًا مع نفسه، فكلنا نستطيع أن نكتب أيّ شيء، ونقول عن أنفسنا أشياء جميلة وخياليّة، فالأمر لا يحتاج أكثر من «ذرّة كبر» وبعض الخيال!

لكن الحقيقة ليست ما نكتبه في مواقع التّواصل الاجتماعي، ولا ما نحاول إقناع الآخرين به، الحقيقة هي تلك الأمور التي لا يعرفها سوانا، ويعرفها نوعًا ما الأشخاص الذين يعرفوننا بعيداً عن حوائط «فيس بوك»، وتغريدات «تويتر»، وصور«إنستغرام»، وكما يقول المثل الخليجي: «كلنا عيال قريّة، وكلنا يعرف خيّه».

قد ينتهي هذا العالم الافتراضي في لمحة بصر، وقد تصبح كل هذه التغريدات التي كتبناها قاعًا صفصفًا، ستضيع نرجسيّتنا الرقميّة، وثقافتنا الديجيتال، ونضطّر رغمًا عنّا إلى التعايش مع أنفسنا على حقيقتها!

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

تويتر