أبواب

خارطة الخراب

خليل قنديل

ها هي العواصم العربية الأساسية التي أسست للمشهد الحضاري العربي والإسلامي تدخل بالترتيب الجارح في نزيف الربيع العربي، وتسديد الفواتير التاريخية بالدم، وذلك كعقاب على مغافلة العالم بالتحضر.

وقد كانت بغداد أرض السواد أولى العواصم التي طالب العالم أن تمرغ وجهها في تراب الاحتلال وتوسل الطمأنينة! نعم هكذا بدت بغداد وهي تذود عن نفسها تارة بالحروب وتارة بالتقسيمات المقترحة، لكنها في النهاية ناخت وقبلت بكل المقترحات الطائفية وضرائب الجيران من عرب وفرس، وصار العراقي يبدو كأنه يدافع عن جغرافيته التي تقضم كل يوم دون أن يستطيع الحفاظ على هذه الجغرافيا، وفي هذا المشهد أخذت تبدو الغيمة التي تحدى خراجها هارون الرشيد بأن تعود اليه والى رأسمال المسلمين كأنها فكاهة تاريخية!

وقد كانت دمشق تبدو هي الأخرى عصيّة على أي اختراق، وهي ترفع شعار الممانعة ومقارعة أميركا وإسرائيل، لكنها وضمن تداعيات الحراك السوري والمعارضة والجيش الحر، أخذت هذه الممانعة تكشف عن استبسال عجيب في التعلق بكرسي السلطة، حتى لو أدى ذلك الى محق الشعب السوري كاملاً! حتى صارت دمشق مكاناً تبدو كأنها منطقة زلازل وكوارث طبيعية، والأمر لم ينطبق على دمشق وحدها بل على جغرافيا المدن السورية كافة. وصارت سورية التاريخية التي كانت أول من دفعت ثمن «سايكس بيكو»، مطالبة بأن تتقدم بخرائط تقسيمها الى دويلات وطوائف.

وفي هذه الأيام  يتقدم «تسونامي» الربيع العربي من أمّنا «مصر» كي يعيث بها فساداً، ويتهددها بحرب دموية.

وتبدو مصر التي تأسست كدولة في زمن محمد علي وكأنها مطالبة بتقويض كل هذا الجهد الريادي، والعودة الى مربع التخريب. ولكي نتأكد من وجه الكارثة المقبلة على المنطقة نقول: إن مصر ظلت، ومنذ مطلع العصر الحديث، هي بيضة القبان في التوازن الإقليمي في المنطقة، وإن أي تقويض لها هوعملية استفراد بالدول العربية الطازجة!

والحال فإن عبارة المطبخ السياسي الأميركي حول الفوضى الخلاقة هي فوضى مدروسة وقائمة على نية تخريبية تسعى الى معاقبة بعض القناعات العربية الراسخة ومحاولة تفكيك كل الرواسخ الوطنية، والعمل على ان تدفع شعوب المنطقة ثمن هذا التحضر العربي، وتدخل في عقاب دموي يومي يحمل لنا كل يوم قائمة بأسماء الشهداء دون أن يهتز لنا جفن! فشهداء التفجيرات في العراق وشهداء الاقتتال اليومي في سورية، وأخيراً شهداء الخلاف السياسي في مصر تبدو جميعها كأنها وجبة موت عادية.

وتلكم هي الكارثة!

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .
 

تويتر