أبواب

«تويتر»..«فيس بوك».. وأشياء أخرى

محمد المرزوقي

كان الشاعر الفرنسي بودلير يقول إنّ «الحياة مصحٌ كبير»، ولو عاش اليوم لربما غيّر العبارة، لتصبح «الحياة الافتراضية مصحّ كبير»، فمواقع التواصل الاجتماعي خلقت حياة افتراضية، أشبه ما تكون بمصحّ كبير، لا يعيش فيه سوى المدمنين عليها، أو من يتكسّبون على إدمانهم. فمن منا اليوم لا يستفتح يومه - وينهيه - بالدخول إلى حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، المليئة بأشخاص لا يعرف أغنيتهم المفضلة، أو وزنهم الحقيقي والمزيّف، أو اسم الطبيب الذي زرع الشعر في رؤوسهم القاحلة.. ومع ذلك يطمئن عليهم، أو على وجودهم في قائمته، ولا يناديهم إلا بـ«أصدقائي».

وكلمة صديق التي يتداولها مستخدمو «فيس بوك» ليس لها من معنى الصداقة إلا اسمها، ولا تعني أكثر من كلمة «صديق»، التي نستخدمها عندما نتعامل مع الحلاق الآسيوي، الذي يشذّب لحانا كل أسبوع، كوسيلة للتودد، أو كرشوة، لضمان ألا يقطع رقابنا بشفرة الحلاقة، وهو يؤدي مهمته.

فمواقع التّواصل الاجتماعي تشجّع على إقامة صداقات مزيّفة، تبدأ بكبسة زر، وتنتهي بكبسة زرّ، وفي حين يعلم معظم مستخدمي هذه المواقع من البالغين أنّ الموجودين في لائحة أصدقائهم أو متابعيهم هم مجرّد أشخاص، يميل الأطفال والمراهقون إلى الاعتقاد أنّ كل من أعاد نشر تغريداتهم، وتبادل معهم «اللايكات»، أصبح صديقًا لهم!

نتيجة لذلك، أصبح كثير من مستخدمي هذه المواقع مهووسين بجمع الأصدقاء والمتابعين، ما أدّى بطبيعة الحال إلى ظهور سوق سوداء في «تويتر» لبيع المتابعين الوهميين، زبائنها رجال دين، وفنانون، وساسة باحثون عن الوجاهة!

أمّا في «فيس بوك»، فقد وصلتني رسالة من أحد أصدقائي الافتراضيين، يعلن فيها أنّه قرّر بيع حسابه بكلّ ما فيه ومن فيه من أصدقاء، وعلى الرّغم من أنّني شعرت بالإهانة ـ في بادئ الأمر- لأنّني من ضمن أصدقائه المعروضين للبيع كسلعة في سوق النّخاسة، إلا أن فكرة بيع الأصدقاء، بعد التفكير فيها، لا تبدو سيئة كثيرًا، خصوصا أنّني أفكّر هذه الأيّام في معاقبة ثلاثة أصدقاء سافروا وخلّفوني وراءهم، ولن أجد عقابًا أفضل من بيعهم!



***

 

وفقًا لنتائج «تقرير الإعلام الاجتماعي العربي»، الذي أصدره برنامج الحوكمة والابتكار في كلية دبي للإدارة الحكومية أخيرا، فإنّ هناك أكثر من 55 مليونًا لـ«فيس بوك» في العالم العربي. بمعنى، أنّه لابد من أن يكون هناك، من ضمنهم، نماذج من كل شرائح المجتمع: في هذه اللحظة التي تقرأون فيها هذا السطر هناك رجل مدان بالتحرّش بالأطفال، يتلصّص على صور مراهقة في «فيس بوك»، وفي هذه اللحظة تمامًا، تمكّن لصّ من اختراق حساب شخصية مشهورة في الإمارات على «تويتر»، لا تنظروا إليَّ، إنّني لا أعرف كيف أتستّر على عيوبي فما بالكم بالتستّر على لصّ محترف، ألا تزعجكم فكرة أنّ هناك شخصاً ما يسرق صوركم من «إنستغرام»، بينما أنتم منشغلون بقراءة هذا المقال، ويستخدمها لأغراض غير شريفة!

لا ترفعوا حواجبكم دهشة، أو امتعاضا، فبوجود هذا العدد المهول من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، سنكون أغبياء لو افترضنا أنّه لا يوجد ضمن أصدقائنا ـ أو أصدقاء أبنائنا - في هذه المواقع أشخاص غير طبيعيين!

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر