5 دقائق

شهر الخير وأهل الخير

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

إذا ذُكر شهر رمضان ذُكر الخير معه، وكأنه مرادف له، ولا شك أنه كذلك لما فيه من خير رباني على المؤمنين، فهو شهر يكفر الله تعالى به السنة كلها، ويرفع به درجات المؤمنين، ويحط فيه خطاياهم، ويعتقهم فيه من النار، ويضاعف فيه الحسنات، فالنافلة فيه كالفريضة في غيره، والفريضة فيه كسبعين فريضة في ما سواه، وهو شهر المواساة، من فطر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء، ومن أشبع صائماً كان له مغفرة لذنوبه، وسقاه الله من حوض نبيه صلى الله عليه وسلم شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة، وكان له مثل أجره من غير أن يُنقِص من أجره شيئاً، وهو شهر الجود الذي لا يكون مثله في سائر الشهو؛ لما فيه من التأسي بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم الذي كان في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة.

 وهكذا هو رمضان عند المسلمين عامة، وفي هذا البلد خاصة، فها هي أبواب الخير تفتح للناس ليلجوا من خلالها إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، والذين من صفاتهم أنهم ينفقون في السراء والضراء على عباد الله الذين مستهم البأساء، ونالت منهم اللأواء، وطحنهم الدهر بكلكله؛ فمنهم من يموت جوعاً، وآخر مرضاً، وثالثٌ يعرى ويضحى، والعالم المتحضر أتخمه الشبع، فهو يحرق المحاصيل الزراعية الزائدة على حاجته لئلا يكسد سوقها، ويصنع الدواء ولا يوصله إلى المرضى، ويصنع الكساء ولا يكسو به العراة، لكنه يحرص على صناعة آلة الموت ويصدرها للعالم ليقتل بعضه بعضاً! فمن يكون لهؤلاء الإخوة في الإنسانية قبل الإسلامية والشعوبية إن لم يكن لهم الخيرون ؟! غير أن الخيرية لا تصنع ولا تزرع، وإنما هي هبات إلهية تحل في القلوب الرحيمة والعقول السليمة كخَيِّري هذا البلد المعطاء، الذين جعلوا من هذا الشهر الكريم موسماً يتسابقون فيه إلى جنات النعيم، بما يقدمونه من عون لأولئك المحاويج في العالم، فتارة يبادرون إلى تعليمهم، وأخرى إلى تطبيبهم، وثالثة إلى كسوتهم.. مبادرات متتالية تلقى آذاناً صاغية، فما إن ترد المبادرة من حكامنا المصلحين، حتى تتلقاها آذان السامعين فيسرعون إلى الخيرات مما يجزل بذله ويعم نفعه، يتأسون في ذلك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسارعة إلى الخير في شهر الخير، ويترسمون خطى زايد الذي عم خيره الإنسانية، وقد كان من خيره أن اختاره الله تعالى في شهر الخير، فكلما تجددت ذكرى وفاته تجدد ذكر الخير الذي كان يبذله لمن يعرف ومن لا يعرف، فكان من الوفاء له أن يتجدد الخير ويزداد في هذا الشهر الكريم، في ذكرى وفاته، وسيراً على منواله، حتى يكون له مثل أجر المتصدقين والمحسنين.

هذا هو شهر الخير الذي عرفناه في صغرنا، وننهجه في كبرنا، ونعلمه أبناءنا وبناتنا، فنحسن فيه  لغيرنا ويجزينا الله بالإحسان إحساناً، وفي هذا الشهر عفواً ومغفرة ورضواناً، لاجرم في ذلك فهو سبحانه يجزي المحسنين ويتقبل من عباده المؤمنين،  فلنبادر بالخيرات في ما تبقى من  أيامه ولياليه المباركات.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر