5‭‬ دقائق

الدم‭ ‬العربي‭!‬

د.عبدالله الكمالي

جاءت‭ ‬أحداث‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬لكن‭ ‬السمة‭ ‬المشتركة‭ ‬فيها‭ ‬إراقة‭ ‬دماء‭ ‬الأبرياء،‭ ‬وأساليب‭ ‬العنف‭ ‬والقسوة‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬إلا‭ ‬الابتسامة‭ ‬والدعابة‭ ‬والمرح،‭ ‬فأصبح‭ ‬منظر‭ ‬التظاهرات‭ ‬الدموية‭ ‬وأعمال‭ ‬العنف‭ ‬والشغب‭ ‬مألوفاً‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬رمي‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬أسطح‭ ‬العمارات‭ ‬شُوهد‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة،‭ ‬وسط‭ ‬سكوت‭ ‬بعض‭ ‬الشرائح‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬العنف‭ ‬والقتل‭ ‬وإراقة‭ ‬الدماء‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تسود‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭.‬
إن‭ ‬العهد‭ ‬الذي‭ ‬أخذه‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬العلم‭ ‬والدين‭ ‬أن‭ ‬يبينوا‭ ‬للناس‭ ‬دين‭ ‬الله،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬المسائل‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ضياع‭ ‬الأنفس‭ ‬والأعراض،‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬تذكير‭ ‬الناس‭ ‬بخطورة‭ ‬الجرأة‭ ‬على‭ ‬الدماء‭ ‬وسفكها،‭ ‬فالله‭ ‬تعالى‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬كتابه‭: ‬  (ومن‭ ‬يقتل‭ ‬مؤمنا‭ ‬متعمدا‭ ‬فجزاؤه‭ ‬جهنم‭ ‬خالدا‭ ‬فيها‭ ‬وغضب‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬ولعنه‭ ‬وأعد‭ ‬له‭ ‬عذابا‭ ‬عظيما)‭. ‬  والنبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يقول:‭ ‬‮«‬‭ ‬يأتي‭ ‬المقتول‭ ‬متعلقا‭ ‬رأسه‭ ‬بإحدى‭ ‬يديه‭ ‬متلببا‭ ‬قاتله‭ ‬باليد‭ ‬الأخرى‭ ‬تشخب‭ ‬أوداجه‭ ‬دما‭ ‬حتى‭ ‬يأتي‭ ‬به‭ ‬العرش‭ ‬فيقول‭ ‬المقتول‭ ‬لرب‭ ‬العالمين‭: ‬هذا‭ ‬قتلني‭ ‬فيقول‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬للقاتل‭: ‬تعست،‭ ‬ويذهب‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬النار»‬‭. ‬فهذه‭ ‬النصوص‭ ‬تبين‭ ‬خطورة‭ ‬إراقة‭ ‬الدماء‭ ‬وسفكها،‭ ‬ولابد‭ ‬على‭ ‬جهات‭ ‬الفتوى‭ ‬وأهل‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬بواجب‭ ‬بيان‭ ‬خطورة‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬الجلل،‭ ‬ولو‭ ‬غضب‭ ‬من‭ ‬غضب‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الأحزاب‭ ‬والجماعات،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬الدم‭ ‬العربي‭ ‬رخيصاً‭ ‬للغاية،‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭.‬
كما‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬ينتسب‭ ‬إلى‭ ‬العلم‭ ‬والدين‭ ‬أن‭ ‬يكف‭ ‬شره‭ ‬عن‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬فتجد‭ ‬بعضهم‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬بلده‭ ‬آمنا‭ ‬مطمئنا‭ ‬ثم‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬يحرض‭ ‬على‭ ‬الدماء‭ ‬تحريضا‭ ‬شديدا،‭ ‬ويزين‭ ‬للناس‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬‮«‬الشرعية‮»‬‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله،‭ ‬وهو‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬كلامه‭ ‬سيتسبب‭ ‬في‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬إراقة‭ ‬الدماء،‭ ‬فكلامه‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬وعن‭ ‬الشرع،‭ ‬وبعيد‭ ‬أيضاً‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬الشرعية،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يفتح‭ ‬بابا‭ ‬لحروب‭ ‬أهلية‭ ‬وانقسامات‭ ‬وخيمة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلدان،‭ ‬وتجد‭ ‬بعضهم‭ ‬أيضاً‭ ‬يحرض‭ ‬غيره‭ ‬على‭ ‬الثبات‭ ‬في‭ ‬الميادين،‭ ‬والسعي‭ ‬لتغيير‭ ‬الأمور‭ ‬بالتظاهرات‭ ‬والاعتصامات‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬العلماء‭ ‬حرمتها‭ ‬وخطورتها،‭ ‬وهو‭ ‬جالس‭ ‬مع‭ ‬أبنائه‭ ‬وأسرته،‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الميادين،‭ ‬فإن‭ ‬وقع‭ ‬البلاء‭ ‬وقع‭ ‬على‭ ‬أعراض‭ ‬الناس‭ ‬ودمائهم،‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬أمن‭ ‬وآمان،‭ ‬والله‭ ‬المستعان‭.‬
ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الفئة‭ ‬السابقة،‭ ‬بل‭ ‬بعض‭ ‬قادة‭ ‬التيارات‭ ‬والأحزاب‭ ‬العلمانية‭ ‬والتوجهات‭ ‬الأخرى‭ ‬يدعون‭ ‬إلى‭ ‬التصادم‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬ولا‭ ‬يهمهم‭ ‬ما‭ ‬سيجري‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬بل‭ ‬مصالحهم‭ ‬الشخصية‭ ‬وحب‭ ‬الكراسي‭ ‬هو‭ ‬هدف‭ ‬بعضهم،‭ ‬ولو‭ ‬وقعت‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬كربات‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬بها‭ ‬إلا‭ ‬الله‭. ‬في‭ ‬خضم‭ ‬هذه‭ ‬الفتن‭ ‬العظيمة‭ ‬يتذكر‭ ‬الإنسان‭ ‬حقاً‭ ‬تلك‭ ‬الحكمة‭ ‬الجميلة: ‬‮:«‬إمام‭ ‬ظلوم‭ ‬غشوم‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬فتنة‭ ‬تدوم‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬كف‭ ‬لسانه‭ ‬ويده‭ ‬عن‭ ‬الفتن‭ ‬فاز‭ ‬وربح،‭ ‬ومن‭ ‬خاض‭ ‬فيها‭ ‬بيده‭ ‬ولسانه‭ ‬فقد‭ ‬يحاسب‭ ‬عند‭ ‬الملك‭ ‬الجليل‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬عن‭ ‬الدماء‭ ‬التي‭ ‬أريقت‭ ‬والأنفس‭ ‬التي‭ ‬أزهقت‭ ‬والأعراض‭ ‬التي‭ ‬انتهكت،‭ ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬العافية‭ ‬والسلامة‭.‬

مدير‭ ‬مشروع‭ ‬مكتوم‭ ‬لتحفيظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم بدائرة‭ ‬الشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬والعمل‭ ‬الخيري‭ ‬بدبي

alkamali11@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .


 

تويتر