أبواب

اعتراف بالسرقة

زياد خدّاش

سأعترف  الآن أني سرقت عشر  نسخ  من كتابي «كأن شخصاً ثالثاً كان بيننا» من مخازن  ناشره  «دار الرعاة»  في رام  الله قبل سنوات عدة، شجعني وتواطأ معي صديقي المجنون الشاعر، الذي مازال يهددني حتى اللحظة بكشف السر في ما لو امتنعت عن تنفيذ مطالبه  الكثيرة.

 الآن أتحرر من السر وأُفشل ابتزازات الصديق، وأرتاح راحة مزدوجة، راحة انكشاف سر ضاغط على قلبي منذ سنوات والتحلل من مطالب صديق ومزعج، يترصد بخفة ظل أسرار أصحابه ليبتزهم من خلالها.

 تسلّل  المجنون (الذي أقنعني بشرعية ما نفعل، فالكتاب كتابي، وهناك ظلم  نرزح تحته نحن الأدباء من قبل  الناشرين الذين يستغلون حاجتنا إلى النشر) من نافذة  المخزن وتبعته أنا وقمنا بالواقعة التي مازلت أخجل منها  حتى اللحظة. أتكفي هذه المقدمة الشجاعة المضحكة  للدخول في موضوع  الظلم  الفعلي الذي تتمرغ فيه كرامتنا الشخصية والثقافية نحن الأدباء في فلسطين؟ أتكفي هذه الفضيحة الشخصية لتبين مدى الاستغلال  الواقع علينا؟ عشرات  الأدباء  الفلسطينيين  الشبان يضطرون،  تحت ضغط رغبتهم الطبيعية في النشر، إلى قبول شروط الناشر - التاجر الذي يتعامل معنا وكأننا أرقام أو زبائن أو فرص للربح  الكبير، يطلب  الأديب  طباعة 1000نسخة مثلاً فيُطالب بملغ كبير لا يقدر على نصفه، مع 100 نسخة مجانية  له من كتابه، معظم  الأدباء يعجزون، ويغرقون في الإحباط والألم، منهم من يتوقف عن الكتابة كما حدث مع قاص موهوب أعرفه،  بعض الأدباء يضطرون  إلى الموافقة خصوصاً عند أول كتاب لهم، فيلجأون إلى الاستدانة وقد يبيعون مكتباتهم الشخصية كما حدث مع أحد الأصدقاء الشعراء، وحين يُسلمون  الـ100 نسخة، يوزعونها متحمسين وفرحين على أصحابهم وعلى بعض المؤسسات (مجاناً طبعاً)، وفجأة  يجد  الأديب المسكين نفسه بلا نسخ، فيضطر إلى شراء كتبه من المكتبات  الخاصة تماماً كما أي زبون آخر. وتخيلوا معي شعور الكاتب حين يضطر إلى دفع ثمن كتاب له، كتبه بأعصابه ودمه وقلبه وقلقه، تماماً يشبه الأمر أن يستأجر فلاح فلسطيني أرضاً له سرقها منه المحتل،  مؤسساتنا  الرسمية  عاجزة عن تقديم البديل، دائرة المطبوعات والنشر في وزارة الثقافة الفلسطينية تعرج على قدميها منذ تأسيسها، ومعايير النشر لديهم غامضة وغير منظمة وتعتمد غالباً على المحسوبيات والمجاملات والعلاقات  الشخصية. دار  النشر «أوغاريت» وهي دار خاصة ممولة من  مؤسسات أجنبية، كان لها الحصة الأكبر في تقديم  هذه  الخدمة  للأدباء، فقد نشرت مجاناً للعشرات من  الشعراء والقصاصين والأدباء، لكن نشاطها توقف أو تباطأ لأسباب لست أدريها.

من ينقذ  الأديب الفلسطيني من التورط في سرقة كتبه؟  هي صرخة أرجو ألا تتبعثر  في الهواء.

zkhadash@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر