5‭ ‬ دقائق

متى‭ ‬نصغر؟

إيمان الهاشمي

مَن‭ ‬حدد‭ ‬للصِبا‭ ‬عمراً؟‭ ‬وربط‭ ‬البراءة‭ ‬بالطفولة؟‭ ‬ومَن‭ ‬رسم‭ ‬مقاييس‭ ‬الجمال‭ ‬على‭ ‬أسُس‭ ‬الشباب؟‭ ‬ثم‭ ‬قال‭ ‬أننا‭ ‬نصبح‭ )‬أقبح‭( ‬عندما‭ ‬نشيخ؟‭ ‬متناسياً‭ ‬قوله‭ ‬عزوجل‭ ‬‬‮« لقد‭ ‬خلقنا‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬تقويم‮»‬‭ ‬دون‭ ‬تحديد‭ ‬زمناً‭ ‬معيناً‭ ‬للجمال‭ ‬البشري‭! ‬وهو‭ ‬الخالق‭ ‬والعالم‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭!‬
فلا‭ ‬توجد‭ ‬أي‭ ‬آية‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬وجوب‭ )‬تقبيح‭ ‬البشر‭( ‬في‭ ‬عمرٍ‭ ‬ما؟‭ ‬والآيات‭: ‬‮‬«ومن‭ ‬نعمره‭ ‬ننكسه‭ ‬في‭ ‬الخلق‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬ومنكم‭ ‬من‭ ‬يرد‭ ‬إلى‭ ‬أرذل‭ ‬العمر‮»‬‭ ‬ تدل‭ ‬على‭ ‬حكمة‭ ‬الله‭ ‬في‭ )‬تغيير‭ ‬شكل‭ ‬الإنسان‭( ‬خلال‭ ‬دورة‭ ‬مراحل‭ ‬حياته،‭ ‬دون‭ ‬ذِكر‭ ‬القبح‭ ‬في‭ ‬‮«‬خَلقه‮»‬،‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬‮«‬خُلقه‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬ينعكس‭ ‬كالمرآة‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬سيماههم‭ ‬في‭ ‬وجوههم»‮‬‭‬.
إن‭ ‬أصل‭ )‬البراءة‭( ‬من‭ ‬النية‭ ‬الحسنة‭ ‬بالشيء‭ ‬وعدم‭ ‬المعرفة‭ ‬بالشر‭ ‬والجهل‭ ‬بتعقيدات‭ ‬الحياة،‭ ‬ومن‭ ‬نقاء‭ ‬القلب‭ ‬فالجمال‭ ‬الحقيقي‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬كما‭ ‬نعلم‭ ‬جميعاً،‭ ‬ولذلك‭ ‬نرى‭ ‬‮«‬الوجه‭ ‬البريء‮»‬‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬بعض‭ ‬الراشدين‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬المسنين؟‭ ‬بل‭ ‬نلمس‭ ‬‮«‬طعم‭ ‬الطفولة‮»‬‭ ‬في‭ ‬تصرفاتهم‭ ‬مما‭ ‬يضفي‭ ‬جمالاً‭ ‬طبيعياً‭ ‬ونادراً‭ ‬عليهم؛‭ ‬إذن‭ ‬لماذا‭ ‬يخاف‭ ‬‮«‬البعض‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يكبر‭ ‬ويشيخ؟‭ ‬فـيتشبث‭ ‬بمرحلة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬مراحل‭ ‬العمر؟‭ ‬وكأن‭ ‬باقي‭ ‬السنين‭ ‬مجرد‭ ‬أعداد‭ ‬إضافية؟
فالطفل‭ ‬يتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكبر‭ ‬ويشب،‭ ‬والمسن‭ ‬يتمنى‭ ‬أن‭ ‬يصغر‭ ‬ويشب،‭ ‬والشاب‭ ‬يتمنى‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬شابا،ً‭ ‬لكن‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬نستمتع‭ ‬بكل‭ ‬قطرة‭ ‬لن‭ ‬تعود‭ ‬بعدما‭ ‬تسقط‭ ‬على‭ ‬ندى‭ ‬عمرنا،‭ ‬فالعمر‭ ‬كالقطار‭ ‬ولكل‭ ‬محطة‭ ‬نصيبها‭ ‬من‭ ‬الجمال‭ ‬الخاص‭ ‬بها‭ ‬والذي‭ ‬لن‭ ‬نراه‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬محطة‭ ‬أخرى‭!‬
للأسف‭! ‬لقد‭ ‬لمست‭ ‬هذه‭ ‬النوبة‭ ‬‮«‬البعض‮»‬‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأعمار‭! ‬وأصبح‭ ‬جزء‭ ‬منهم‭ ‬مصارعاً‭ ‬نشطًاً‭ ‬ينافس‭ )‬جون‭ ‬سينا‭( ‬في‭ ‬حلبة‭ ‬‮«‬الرويال‭ ‬رامبل‮»‬‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬‮«‬حزام‭ ‬الجمال‭ ‬المطلق‮»‬‭ ‬في‭ ‬بطولة‭ ‬غير‭ ‬عادلة‭ ‬ولا‭ ‬متكافئة‭ ‬ضد‭ ‬‮«‬وحش‭ ‬الزمن‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يضحي‭ ‬سواء‭ )‬هو‭ ‬أو‭ ‬هي‭( ‬بالمال‭ ‬والوقت‭ ‬والجهد،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يعرض‭ ‬حياته‭ ‬لخطر‭ ‬الموت‭ ‬بعد‭ ‬مراحل‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬تحت‭ ‬مبضع‭ ‬الطبيب‭ ‬التجميلي‭ ‬أو‭ ‬حين‭ ‬يختبر‭ ‬قوة‭ ‬صلابته‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬الحقن‭ ‬السحرية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬تنصره‭ )‬مؤقتاً‭( ‬على‭ ‬الزمن‭ ‬وكأنها‭ ‬سلسة‭ ‬تعذيب‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭.‬
إنني‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لست‭ ‬ضد‭ ‬فكرة‭ ‬تحسين‭ ‬الرضا‭ ‬الذاتي‭ ‬للشكل‭ ‬الخارجي‭ ‬أبداً،‭ ‬بل‭ ‬بالعكس‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬أي‭ ‬ضير‭ ‬فيها‭ ‬إطلاقاً‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬الحاجة‭ ‬الفعلية‭ ‬التي‭ ‬يقررها‭ ‬الطبيب‭ ‬المختص‭ ‬بلا‭ ‬تعارض‭ ‬مع‭ ‬تعاليم‭ ‬ديننا‭ ‬القويم‭ ‬طبعاً‭.‬
لكنني‭ ‬أختص‭ ‬بكلامي‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬أصبح‭ ‬الزمن‭ ‬والجمال‭ ‬والمثالية‭ ‬‮«‬والكمال‭ ‬لله‭ ‬وحده‮»‬‭ ‬هو‭ ‬هاجسهم‭ ‬الأول‭ ‬ففقدوا‭ ‬لذة‭ ‬الإستمتاع‭ ‬بما‭ ‬حولهم‭ ‬وأصبح‭ ‬همهم‭ ‬الأكبر‭ ‬هو‭ ))‬متى‭ ‬نصغر؟‭((


eman.alhashimi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها.


 

تويتر