أبواب

علاقات إبداعية نادرة

خليل قنديل

يبدو أن لكل قرن طعمه الثقافي الخاص، ويبدو أننا في قرننا هذا سنقف أمام برودة معدنية في العلاقات وفي التواصل الإنساني العام، ويكاد قرننا هذا يخلو من تلك الانطباعية الجارحة في العلاقات الإنسانية، تلك الانطباعية التي كانت تجعل بعض العلاقات بين المبدعين تصل إلى لوثة الجنون.

والحال أننا كلما دققنا في العلاقة الإنسانية بين المبدعين نجد أن هذه العلاقة قاحلة تماماً من كل حنو أو تواصل، هذا على العكس من تلك العلاقات الحميمة التي كانت تميز المبدعين في القرنين الفائتين، وربما هذا ما يجعلنا نجزم بأن قرننا هذا يخلو تماماً من مثل هذا التوجه في تخصيب العلاقة بين المبدعين والكتاب.

إنّ التحدث في هذا المقام يحيلنا إلى علاقات كانت قائمة بين أفراد تجعل الواحد منّا يساق إلى حالة من التأمل العميق في تلك العلاقات، وهذا ما يجعلنا نستذكر تلك العلاقة الحميمة بين فنانين مثل غوغان وفان كوخ، التي كانت بسبب الحب الفائض الذي يحكم مثل هذه العلاقة توسم بالغرابة وبالشذوذ أحياناً. وأنت حين تقول غوغان وفان كوخ فكأنك قد تعمدت وضع قنبلتين موقوتتين يمكن لهما أن تنفجرا عند أول احتكاك، وعند مراجعة هذه العلاقة ستندهش من الخبر الذي نشرته إحدى الصحف الألمانية، التي توضح فيه أن غوغان هو من قطع أذن صديقه فان كوخ، وأن التجليات المخيالية المخبولة التي عاشها فان كوخ كان أساسها غوغان.

وفي نظرة إلى العلاقة بين الشاعرين الفرنسيين رامبو وفرلين سنصاب بالدهشة ونحن نراقب فرلين يطلق النار على رامبو، لسبب واحد هو أن رامبو قرر أن يهجر صديقه فرلين ويغادر باريس، فما كان من فرلين الذي لم يستعد لمثل هذا الفراغ الرامبوي سوى أن يطلق نار مسدسه على رامبو كي يمنعه من السفر.

الغريب أن مثل هذه العلاقات الغرائبية بين المبدعين كانت تجب فكرة الفواصل الطبقية، وتذهب نحو علاقة إنسانية نادرة هي أكبر من كل العوائق الطبقية. ولنا أن نلاحظ تلك العلاقة النادرة العمق بين هرمين أدبيين، مثل مكسيم غوركي وتشيخوف، ومن يرد أن يلتقط هذا العمق النادر في العلاقة ما عليه سوى العودة إلى كتاب الرسائل المتبادلة بين مكسيم غوركي الفتى الذي بدأ حياته خبازاً وتشيخوف الذي بدأ حياته طبيباً ومات طبيباً.

وقد كانت العلاقة بينهما تكشف عن مدى التوجه البنائي في تغذية الشخصيتين نحو علاقة كتابية معافاة من كل ضغينة أو توجس.

ولعله علينا التأكيد ها هنا على أن العلاقة بين المبدعين العرب تفتقر إلى مثل هذا الحنو، ربما باستثناء حالة صداقة كانت بين الأديبين الراحلين جبرا إبراهيم جبرا وعبدالرحمن منيف، حيث اشتركا في كتابة رواية واحدة هي «عالم بلا خرائط»، ولعل هذا الفقر العربي يحتاج إلى كد نقدي يسرد لنا مواصفات الحالة عربياً وغربياً.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر