أبواب

زيارة من السيد رمضان

محمد المرزوقي

يروي مصطفى عبدالرحمن في كتاب «رمضانيات.. أدب، فن، نوادر» طرفة عن أعرابي جاء إلى فقيه فقال: أفطرت يوماً في رمضان. فقال له الفقيه: اقض يوماً مكانه. قال: قضيت، وأتيت أهلي وقد صنعوا مأمونية (نوع من الحلوى الفاخرة) فسبقتني يدي إليها، فأكلت منها. قال الفقيه: اقض يوماً مكانه. قال الرجل: قضيت، وأتيت أهلي وقد صنعوا هريسة، فسبقتني يدي إليها. فقال الفقيه: أرى ألا تصوم بعد ذلك إلا ويدك مغلولة إلى عنقك.

❊❊❊

يحدث في أحايين نادرة أن تكون مستغرقاً في نوم لذيذ، وبينما تكون في طريقك للوصول إلى «سابع نومة»، يداهم سريرك، على حين غرة، ضيف لم تره منذ عام، فتضطرّ للاستيقاظ على مضض لاستقباله بالقهوة والكعك وكؤوس «الفيمتو». تغالي في التهليل والترحيب به، في الوقت نفسه الذي تتخيّل فيه نفسك تكتم أنفاسه بالوسادة نفسها التي انتزع رأسك منها، وفي اللحظة التي يهمّ فيها بالانصراف، تشعر فجأةً وكأنّك تلقيت خبر حصولك على قطعة أرض تأخرّت نصف قرن. ترافقه إلى باب المنزل، وفجأة، ولأسباب مجهولة، تلح عليه ليمكث لتناول الطعام، وحين يرفض بأدب، تصرّ عليه - للأسباب المجهولة السابقة - على أن يعيد الزيارة في أقرب وقت، وتلوح له بمنديلك والحزن يعتصر فؤادك لفراق هذا الضيف المجهول!

❊❊❊

كثير منا يتعامل مع رمضان كضيف طارئ، يأتي لزيارتنا في شهر واحد، ولو كنا نحن من نذهب إلى زيارته في أحد عشر شهرًا لما فقد معناه الأصلي، ولظل محتفظًا بالمدلول الحقيقي لطقوسه. حينما يصبح رمضان ضيفاً عابراً، يتحول إلى مجرد شهر يجوّع فيه الإنسان نفسه، من أجل مزيد من الاستمتاع بلذة الطعام، ويحشد لهذه الغاية الروحانية - أي الصوم- جميع الطاقات المادية، حينئذ نصبح أمام ظاهرة ملتبسة تستحق الدراسة!

❊❊❊

إن لرمضان طعماً مختلفاً في بلاد الغرب، فعلى الرغم من غياب، أو انعدام، طقوس رمضان الحميمية، إلا أن المغترب، على عكسنا، يحل ضيفاً على رمضان، فيخلق حوله جواً دينياً خالصاً ونقياً من رسميات الضيافة، يلتقيه في مقهى، ويشرب معه فنجان قهوة، ثم يودعه على أمل اللقاء به غدًا.

وعلى الرغم من ذلك، لا شيء يصيب المغترب بالحنين إلى الوطن مثل ضجيج المغرب وما قبله!

تقبل الله صيامكم وقيامكم.

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

تويتر