أبواب

كيمياء عشق «مصر»!

خليل قنديل

كانت مصر في تلك اللحظة تقيم في عنق الزجاجة، وكانت الشعوب العربية تحبس أنفاسها بانتظار القادم، وكان عليّ أنا تحديداً أن أحدق بالرجل الذي كان يهذي ويرتجف في البرنامج التلفزيوني وهو يدافع عن مصر الحضارة والمكان، داعياً الرئيس المصري محمد مرسي إلى التنحي وترك مصر تداوي جروحها على طريقتها، وقد كانت حالة الرجل عصابية تتداعى وبسرعة الى الدرجة التي طالبت فيها المذيعة بوقف البرنامج خوفاً على قلب الرجل من جلطة مباغتة!

ومن تابع ذاك البرنامج لابد أن يسأل نفسه عن سر هذا العشق الذي تتركه مصر في قلوب قاطنيها الى الدرجة التي يتحول فيها مثل ذاك العشق إلى حالة من الوله الذي قد يتحول الى شجن شخصي!

ولفتت انتباهي عصبية الرجل الشخصية في مسألة ذات شأن عام، ولا تقبل الشخصنة الى هذا الحد، لكنها مصر صاحبة «عبقرية المكان»، مصر القادرة دائماً على إغواء محبيها وجلبهم نحو مساحتها، كي يتذوقوا طعم حبها النادر! ويبذلوا في سبيل هذا الحب الغالي والنفيس.

وفي الأسبوع الفائت استطاعت مصر أن تدخل كل محبيها في امتحان عسير بين مغامرة تركها تغرق في أتون الحرب الأهلية والطائفية، أو الوقوف بصلابة تاريخية نادرة في الحفاظ على إيقاع مصر التاريخي كما هو. حدث هذا في لحظة خطر بائن من جماعة الإخوان المسلمين وهم يحاولون الاستئثار بمصر، وجعلها ترتدي العمامة، وأن تدخل في حمى الفتاوى اليومية وهرطقة التحريم اليومي.

وكان على مصر أن تغرق في هذا المعمعان، وأن تتخلى عن جميع معطياتها الحضارية، لتدخل عضوة في نادي «طالبان»، لكنه شعب مصر الذي شعر بأن ثورته قد سرقت، وأن مصر العزيزة قد سرقت أيضاً، وبدأ فعل تعليبها، وكان عليه أن يتقاطر بمليونياته إلى ميدان التحرير، حيث الولادة الأولى لثورة ‬25 يناير، وصارت الاعتصامات تتوالى حتى استمع جيش مصر للشجن الحضاري الذي بدأت تعانيه مصر، وكان على هذا الجيش في لحظة انتماء حقيقية أن يقلب ظهر المجن، ويعيد الأمور الى نصابها، وقد كان له ذلك.

ولمصر مكانتها في العشق الجماهيري العربي؛ فما من كاتب أو مفكر أو شاعر إلا ويحمل في جنبات قلبه ذلك الحيز الخاص بمصر، ذلك أن لمصر تلك المغنطة الخاصة في كهربة عشاقها العرب، وهي تقول إن من يتجرع من ماء نيل مصر يظل على موعد في معاودة التجرع مرة أخرى، ومن راقب حضور الجغرافيا المصرية على صفحات الـ«فيس بوك» خلال الأسبوع الماضي لابد أن يتأكد من المكانة الخاصة لمصر عند كل عربي.

والحال أن هذه هي مصر التي عاشت كل الكوارث العربية، وكانت السباقة في دفع الثمن، الحال أيضاً أن علينا أن نأخذ أرض الكنانة بالأحضان، ونقول لها «عشت يا أم الدنيا.. عشت يا مصر».

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر