‬5 دقائق

التمادي في الخطأ

د.عبدالله الكمالي

من طبيعة النفس البشرية الوقوع في الخطأ والزلل، فمن الذي يجزم منا اليوم بأن فعله كله صواب لا خطأ فيه ولا زلل؟! ومعرفة الخطأ تكون بعرض العمل على نصوص الكتاب والسنة بفهم أئمة الدين والعلماء الراسخين، فمن رحمة الله بهذه الأمة أن بين لها كل ما تحتاج إليه في مسائل الآداب والأخلاق والطعام والشراب، فضلاً عن مسائل السياسة والدماء والجهاد وغيرها من المسائل المصيرية العظيمة، وقد يتبنى بعضهم آراء شاذة تخالف منهج أهل السنة والجماعة في بعض المسائل المتعلقة بالدماء والسياسة والجهاد، وهذا لا شك في أنه خطأ، ولكن الخطأ الأقبح أن يسمع هؤلاء أصوات النصح من العقلاء والحكماء وولاة الأمر، فلا يلقون لها أي بال أو اهتمام! وهنا تكمن في الأصل مشكلة أخلاقية سلوكية في قلب المخاطب تتعلق بالتمادي في اتباع الباطل وعدم الانقياد للحق، ولو تأملنا في حال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لوجدنا منهم تسليماً وانقياداً عظيماً للنصوص، فعندما يسمع بعض من يتبنى أفكار التكفير هذا الحديث النبوي: «أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما»، ألا تحدثه نفسه بالرجوع عن الخطأ والزلل وترك فكر التكفير المنحرف!

وعندما تُقرأ النصوص الواردة في السمع والطاعة لولي الأمر المسلم وتقرع آذان بعض من يتبنى فكراً ثورياً يدعو إلى الخروج على ولاة الأمر ألا تحرك فيهم هذه النصوص مشاعر التوبة والندم وعدم التمادي في الباطل؟! يا ترى ما هو موقفهم من هذا الخبر الصحيح: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة». إن المسلم الصادق حاله الاتباع والتسليم للشرع ولو كان الحق ثقيلاً على نفسه، فمن صفات عباد الرحمن: {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً}، فمن تبنى فكر جماعة ابتعدت عن نور الكتاب والسنة عليه ألا يتمادى في الخطأ، وعليه أن يعود إلى الصواب، ولو كان سيجد من جماعته وحزبه تأنيباً وتوبيخاً أو أكثر من ذلك فلا يبالي، فمن قدم رضا الله على رضا المخلوقين فاز وظفر.

ومن المهم جداً عند الحديث عن خطورة التمادي في الخطأ أن تقوم الجهات المعنية بتذكير الناس، وحثهم على التزام الوسطية الحقة المبنية على نور الكتاب والسنة بفهم الأئمة العلماء، فمن الخطأ الكبير أن نعالج التطرف بتساهل مقيت يكون سبباً في زيادة التطرف والتشدد وعدم قبول الحق من الطرف الآخر، لأن المعالِج فقد صدقيته عند هذه الفئة.

وكم أتمنى من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي إلزام جميع الطلاب في جميع الجهات دراسة النصوص الشرعية، التي تبين الموقف الصحيح من قضايا التكفير والتطرف والتشدد، وتحذر أيضاً من التساهل المقيت فعند ذلك لن يتمادى بعضهم في الخطأ.

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

alkamali11@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر