أبواب

مانديلا أيها المناضل العظيم

خليل قنديل

هذه المرّة كانت دعوة الموت إليه جدية، وكان على «مانديلا» الشجاع أن يستجيب لسيارة الإسعاف ولواجهة المستشفى وللردهات الأنيقة وللأسرة الطافحة بلون الموت الأبيض، أو أن يستجيب لنداء الوحدة الذي يظل يستدرج العظماء كي يكشف لهم عمق عظمتهم.

كان على الرجل أن يمد عنق الطاعة للرئة التي دفعت ثمن النوم في السراديب الرطبة، حيث يصير الهواء معتقلاً هو الآخر بذاك الطعم الخانق والنادر لهواء الاعتقال، وكان عليه رغم صلابته النضالية أمام سجانه الأبيض ان يحترم رغبة الرئة المختنقة بهواء الاعتقال الفاسد، واعتذارها عن المواظبة في الشهيق والزفير.

وكان على الرجل أن يتريث قليلاً كي يستعد لموته بعد ‬94 عاماً من الصمود ومقارعة الأحكام الظالمة للسجان ولحكم الأقلية البيضاء، ومقاومته لسياسة التمييز العنصري، وأن يكون بمستوى اللقب الذي منحه إياه رجال قبيلته حيث كان يدعى «ماديبا»، وهو اللقب الذي يطلقه أبناء عشيرة مانديلا على الشخص الأرفع قدراً بينهم. وأن يتشرب من الروح العظيمة لمعلمه في النضال السلمي المهاتما غاندي، فقد نبذ العنف والمقاومة السلمية ومواجهة المصائب والصعاب بكرامة وكبرياء.

وكان على الرجل الذي تشربت روحه إيقاع إفريقيا الخافت ان يعلن عن بدء معركته الحضارية مع تعسف اللون الأبيض وتسلط عصابات الاستعمار النيئ والطازج، وقد اختار في البدء أن تكون معركته مسالمة لكن اللون الأبيض المتسلط على البشرة البيضاء لم يسمح له بممارسة تلك المقارعة «الغاندية» فاضطر الى أن يمسك بالسلاح ويحارب، ولهذا كان الاعتقال الأول الذي استمر لما يزيد على ثلاث سنوات وتبعه الاعتقال الثاني المؤبد!

كان هذا في عام ‬1964 حيث حكم عليه بتهمة التخطيط لعمل مسلح والخيانة العظمى، وخلال سنوات سجنه الـ‬27 أصبح النداء العالمي بتحرير مانديلا من السجن رمزاً لرفض سياسة التمييز العنصري.

وفي ‬10 يونيو تم نشر رسالة استطاع مانديلا إرسالها للمجلس الأميركي القومي قال فيها «اتحدوا، وجهزوا، وحاربوا، إذ ما بين سندان التحرك الشعبي، ومطرقة المقاومة المسلحة، سنسحق الفصل العنصري».

وفي عام ‬1985 عُرض على مانديلا إطلاق سراحه مقابل إعلان وقف المقاومة المسلحة، وعند عام ‬1990 كانت الحرية وإطلاق سراحه على موعد مع هذا الإفريقي العنيد، والمفارقة العجيبة أن يحصل مانديلا على جائزة نوبل للسلام مع الرئيس فريدريك دي كلارك في عام ‬1993، وأن يصبح لاحقاً أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا.

إنه مانديلا أيقونة إفريقيا وسرها العظيم، وهو الذي كان يبدو بنضاله المستميت من أجل الرجال السود كأنه يحمل على ظهره ثقل قارة كاملة.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر