أبواب

لا عيب في الفرح

زياد خدّاش

مروعة وغير مفهومة أبداً كل تلك الأصوات الغريبة التي نادت في فلسطين وخارجها، وتنادي بعدم الفرح والتلذذ حتى يتم تحرير البلاد، شيء يشبه المزحة أو الكابوس أن تجلس بجانب سائق سيارة أجرة غاضب ومزبد، لأن الناس سعيدة لفوز محمد عساف، يتأفف السائق من فرحتي بوجود عساف في الحياة، ويوشك على طردي من سيارته، أفزعتني رؤية السائق، الذي يعبّر عن شرائح عديدة تؤمن بأن الفرح نقيض البطولة والفداء، وأن السعادات الشخصية مقاتل جاهز لكل خطة وطنية لتحرير فلسطين، «على الأطفال ألا يتعلموا الفرح، وعلى النساء والرجال ألا تلهيهم المباهج الذاتية التي تدمّر البلاد وتميّع الرجال وتقضي على طاقة القتال المتحفزة»، بالحرف الواحد سمعت هذا الكلام من سائق سيارة أجرة، ولم أقدر على الحوار معه، فسكت أنا سكوتاً مدوياً، وبدا كأنه انتصر في نقاشه عليّ، لأن أدواتي في النقاش تختلف عن أدواته، منطق مخيف ينتشر في أوساط عديدة من بلادنا، منطق غير قابل للحوار ولا يصغي إلى حجة أخرى، ولا يعترف بنقاش هادئ او قبول للاختلاف والاحتكام إلى الطبيعة البشرية التي يؤكد التحليل العلمي أنها تميل فطرياً للسعادة والفرح والابتهاج، حتى في أوقات الهزائم والضربات القاصمة.

في تجارب شعوب العالم المناضلة ثمة حكايات موحية ومهمة: في باريس، وبينما الاحتلال النازي يجثم فوق عاصمة النور والحب، كان الفنانون يرسمون والمغنون يغنون والأدباء يكتبون والنحاتون ينحتون، وكان العشاق يعشقون ويهدون بعضهم بعضاً الورد والقبلات، العاشق نفسه الذي كان يهدي صديقته وردة كان يهدي الجندي المحتل رصاصة في قلبه، كانت الموسيقى تصدح من كل مكان، في اللحظة التي كان صوت الرصاص يصدح هو الآخر، والمقاومة تشن ضرباتها وتوقع الخسائر في صفوف النازيين، لم يخرج من هناك صوت يحرّم الفن أو يطلب تأجيل السعادة، لا انتصار قومياً دون إشباع الرغبات الشخصية، لا ينتصر شعب يكره الفرح ويحتقر الفن، ولا أظن أن هناك ديناً حقيقياً يدمر طاقة الإنسان ونوازعه.

ولتغضبوا يا سائقي سيارات الأجرة، فرح الفلسطينين بعساف هو الوجه الآخر لإصرارهم على تحرير فلسطين، ولنفرح نحن، محبي عساف، الأغلبية الذين نعرف تمام المعرفة أن المستقبل لنا، لا للظلامين الذين يريدون إطفاء نور الله بأيديهم.

zkhadash@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر