أبواب

قراءة في «الربيع العربي»

خليل قنديل

إنّ نهوض ثقافة النضال العربي من سباتها، خصوصاً ونحن نشهد هذه الأيام «تسونامي» الربيع العربي عموماً، يستوجب منّا تمحيص قماشة هذا النضال، والعمل على تحاشي الوقوع في دهماء الثورات، والتورط في سذاجات عاناها الشعب العربي عبر قرون طويلة، سذاجات لم تضع العربي أمام وعيه الثوري، بل ظلت تشده نحو الرمال المتحركة الذاهبة إلى الخلف الماضوي، والمكبلة بالفعل لقواه الثورية الخلاقة.

ولعل الذهاب في قراءة المعطيات التي خلّفتها الثورات العربية عبر التاريخ يجعلنا، إزاء هذا الطوفان الجامح في غير عاصمة عربية هذه الأيام، نضع أيدينا عند منطقة القلب، خوفاً وخشية من القادم، بكل ما يحمله هذا القادم من خيبات حضارية!

ولعل من المجدي الإشارة هنا إلى أن العربي طوال تاريخه، باستثناء الدعوة المحمدية، لم يقترب في ثوراته، وما أكثرها، من فكرة تثوير قواه الاجتماعية والشخصية، وأن الثورات ظلت في منطقة نائية عن انقلابه السيكولوجي، وبالتالي فإن معظم الثورات التي عاشها العربي وأنجزها ظلت أحادية النهج، ولم تحاول أي ثورة عاشتها المجتمعات العربية أن تزلزل البناءات السيكولوجية الراسخة للشخصية العربية.

وهذا ينطبق على الحركات التنويرية العربية التي بدأت مع مطلع عصر التنوير، وبناء الدولة العربية المعاصرة، وما أفرزته هذه الطموحات الثورية المبكرة من أحزاب ماركسية وقومية، تسلمت دفة الحكم في اليمن، وفي مصر عبدالناصر، وسورية حزب البعث، وعراق حزب البعث أيضاً.

وقد ظلت الشعوب العربية تعاني شظف التكوينات الثورية المُشعة، وذلك بعد أن أسلمت قواها للديكتاتور الصنم، الذي أنتجته مثل هذه الأحزاب، هذا الديكتاتور الذي ورّثنا كل هذا الخراب ولايزال!

ولعل الغريب واللافت في ثورات الربيع العربي هو أن الشعوب الثائرة، وضمن «سرنمة» خاصة بكيمياء الشعوب حينما تنتفض، ذهبت إلى «أسلمة» هذه الثورات، والعمل على تجذير الكراهية ضد كل ما هو علماني وليبرالي، قد تلقفت حركة الإخوان المسلمين في معظم بقاع دول الربيع العربي بانتهازية لافتة، وذلك على اعتبار أن الإسلاميين في الوطن العربي لم يأخذوا فرصتهم القيادية بعد في الوطن العربي!

ولعل الغريب أيضاً أن الجهات الإسلامية التي كانت تنتظر مثل هذه اللحظة التاريخية بفارغ الصبر، وذلك على اعتبار أن الشعوب الإسلامية كانت قد هجرت دينها وتقواها، مع أن الصحيح والثابت تاريخياً أن الأمة العربية عموماً هي أمة متدينة ومؤمنة بالسليقة، ولم تتخل عبر تكويناتها المتلاحقة عن دينها، وذلك باعتباره المكون الرئيس في بنية هذه الأمة.

ولهذا صرنا نشهد ولادات متطرفة داخل الجماعات الإسلامية الحالمة بإقامة دولة الخلافة من جديد، وإفراز كل هذا الكم الهائل من السلفيين أصحاب الذقون الطويلة والثياب القصيرة والأسماء التي تذكرنا برجال مطلع الدعوة الإسلامية.

لقد نسي أوصياء ثورات الربيع العربي أن الثورة الحقيقية هي تلك الثورة التي تزلزل الأعراف الاجتماعية، لترسم وجه المستقبل بحيثيات ثورية واجتماعية جديدة، وهذا الذي لم تقترب منه ثورات الربيع العربي، إن لم نقل جميعها!

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر