أبواب

«القميص المسروق» في رام الله

زياد خدّاش

أحببت مينودراما القميص المسـروق، وهي قصـة شـهيرة لغسـان كنفاني، للفنان الفلسطيني مصطفى أبوهنود، (هو مخرج ومعد العمل أيضاً)، أبدع (أبوهنود) أيما إبداع ومن خلال التداعيات الفكرية، والإشـارة والصـمت، والإيماءة، والكـلام، وهو يتنقل، مسـاء الأربعاء، على مسرح مؤسسة الإغاثة الطبية في رام الله، من شخصية الى أخرى، بشكل دقيق وذكي ودون افتعال أو تعب أو مبالغة، اكتظ جسد الفنان الخميسني الموهوب بشخصيات عديدة: بعضها ذُكر في القصة القصيرة الأصليـة، والأخرى تمت إضافتها عند مسرحة العمل تناغماً مع متطلبات المسرح: (أبوالعبد، أم العبد، أبوسمير، أبومحمود، أبوأيوب، أرباب العمل الثلاثـة). ليس سهلاً أبداً الاحتشاد بكل هذه الشخصيات والامتلاء بهواجسها ومطالبها ومصالحها وخطاباتها وأحلامها ولغتها.

سينوغرافيا المسرحية لم تكن للأسف بحجم عمق وجلال الحكاية وقدرات ومواهب الفنان، كان يمكن أن يكون هناك اهتمام بتشكيلات سينوغرافية تتوازى بشـكل مبهر مع عالم الفقر واللجوء واللصوصية والحزن، وبطولـة الموقف العظيم الذي اتخذه (أبوالعبد، الشخصية الرئيسة في القصة والمسرحية)، في انحيازه الى الحق والعدل والشرف، كان (أبوهنود) واعياً لخطورة فن المينودراما، من حيث إمكانية أن يكون أحياناً (لأقل شبهات ترهل في السرد أو برود في الكلام أو عجز عن تنامي الحدث وضبط وتطوير الشخصيات وتماسكها)، غير قادر على إبقاء المشاهدين متيقظين ومتحفزين ومتوترين، إن لم يفاجئهم بشكل فني ومدروس ونباهة بموسيقى أو أغنية أو رقصة أو أي شكل من أشكال الخروج عن الحكي والكلام، هذا لم يصل طبعاً لدرجة الرشوة التي يقدمها بعض المخرجين للجمهور لتسليته وشراء دهشته وعينيه، ومحاولة لإنقاذ العمل من جفاف ورتابة تذبحه. كانت هذه الأصوات في مسرحية «القميص المسروق» نابعة من ضرورة فنية، ولم تكن مقحمة إقحاماً، وهذا ما جعلها تبهج وتثير الاحساس الجمالي عند الجمهور بالعمل.

الصراع الداخلي في الشخصيات هو محك قدرة الممثل الوحيد على المسرح في تمثّل عالم التمزقات والانشطارات النفسية والروحية والمشاعر غير المنطقية، باختصار كان (أبوهنود) بارعاً في الغوص داخل كل شخص وتقمص روحه وتناقضاته، إلى درجة أن الجمهور أعجب بتماسك طاقة الفنان وسط فوضى التقمصات المتداخلة.

المشهد الأخير كان موفقاً بشكل كبير في إظهار بطولة (أبوالعبد)، وفي الوقت ذاته اظهار حزنه وضياعه وخوفه وهو يحضن ابنه (عبدالرحمن)، الذي ينتظر قميصاً يشتريه أبوه الفقير له، (أبوالعبد) يضرب (أبوسمير) ضرباً مبرحاً بالرفش، احتجاجاً على عرض (أبوسمير) له، لأن يشترك معه ومع الأميركي في سرقة طحين اللاجئين.

انسـدل شعر الفنـان مصطفى أبوهنود على وجهـه، في إشـارة قوية الى قوة المشـهد، وانغمـار الشخصيـة الى حد الجنون في حدث عنيـف وهسـتيري.

zkhadash@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر