أبواب

في مديح سيدة حرة

زياد خدّاش

كنت أعرف أنها نائب في البرلمان اللبناني عن حزب معين، وأنها شقيقة المرحوم رفيق الحريري، الرئيس اللبناني السابق، لم أكن أعرف أنها سيدة مجتمع مدني تخوض معركة تحرير عقول تلاميذ وطلاب لبنان، عبر مؤسستها «مؤسسة الحريري للتربية البشرية المستدامة، والشبكة المدرسية لصيدا والجوار»، التي يقودها طاقم من التربويين التنويريين تحت اشرافها العام، وأن لديها رؤية تربوية مذهلة تتخطى العوائق الطبقية والفوارق الطائفية للبنان، متجاوزة حدوده الجغرافية لتلتقي بانفتاح رائع ووعي كبير مع تجارب الفكر التربوي ومغامراته في العالم العربي والعالم أجمع.

اوائل أبريل، كنت ومدير مدرستي الاستاذ ياسر القصراوي، والمخرج محمد خميس وآخرون، في ضيافة المؤتمر التربوي السنوي الذي تقيمه مؤسسة الحريري في ثانوية الحريري في صيدا، بدعوة من بهية الحريري، «الأمن النفسي الاجتماعي وأثره في المتعلم والمعلم»، كانت بهية قد شاهدت تقريراً بثته قناة الحرة عن فيلم «أساتذة متمردون»، وهو يتحدث عن تجربتي كمعلم في تحرير عقلي وعقول طلابي، فأعجبت بالفكرة، ووجهت لنا الدعوة، لعرض الفيلم أمام معلمات المدارس اللبنانية، وللحديث عن تجربتي.

فوجئنا بحماستها الشديدة للتغيير في مناهج الحياة المدرسية في بلادها، ورغبتها الكبيرة في تفجير طاقات المعلمين والطلاب وتدريبهم على حس المغامرة والابتكار، والتجديد في حياتهم الشخصية ومع طلابهم، وتحدثت بحميمية عالية عن العلاقة الخاصة بين الشعبين اللبناني والفلسطيني، وقدرة الشعبين التي تقترب من المعجزة على تحدي الاحتلال والتحديات بالعلم والحداثة والابداع.

لم يفهمنا أحد كما فهمتنا بهية الحريري، في فلسطين لم ينتبه لنا أحد، لم نكرّم ولم يتم تشجيعنا رغم كل الضجة التي أحدثتها تجارب مدرستنا في المدارس الأخرى، وفي الشارع الفلسطيني. تتنقل الحريري من مدرسة الى مدرسة في لبنان دون كلل او ملل، تشجّع مدرساً او طلاباً على مغامرة تعليمية، تسهّل طريق مدرس آخر في«تخريب» عادة تربوية صدئة، تفكّر في طرق جديدة لفتح الآفاق أمام الطلاب تفتح صفوفاً أخرى لاستيعاب طلاب اللاجئين السوريين، وتزوّد المدارس بأدوات تعليمية حديثة، تعفي طلاباً فقراء من رسـوم الدراسة، تكافئ طلاباً متفوقين، تمنع بيروقراطية ادارة ما، ترعى موهبة فنية لطالـب، تفتح الطريق أمام ادارات المدارس لتتـخذ قراراتها بشجاعة ووعي وانفتاح.

ظاهرة بهية الحريري ليست فقط امكانات مالية فحسب، وتسخير هذه الامكانات في خدمة فكر تربوي حداثي مستنير، انها العقلية التحررية الحضارية عالية الطموح والجموح وشدة الانتماء للوطن كله بطوائفه ومكوناته كافة، وامتداده الحضاري العربي والعالمي، كل دولة في العالم العربي تحتاج إلى «بهيتها»، التي تنذر تفسها لخدمة الوطن كله بعيداً عن الانقسامات الطائفية او الحزبية او الطبقية، امرأة من حديد، وحداثة وانتماء تكسر الاحتكار الذكوري المعتاد لقيادة للعمل التربوي التنموي النهضوي العربي، وتضرب المثل المشرّف في التفاني والتضحية بالوقت والمال والصحة، لخدمة قضايا أجيال البلاد، لا تحتاج بلادنا العربية الى المال، فالمال متوافر، المطلوب عقل حديث وحر، وخطط حضـارية تغييرية ومعـاصرة، تلك هي «فجوتنا المروعـة»، لنقـلنا الى الزمن الذي تأخرنا طويلاً عن موعد قطاره.

zkhadash@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر