5 دقائق
لزوم جماعتهم
لزوم جماعة المسلمين من سِمات أهل الإسلام الأولى، فإنه من دلائل الإخلاص لله رب العالمين، وقد ثبت في الحديث: «ثلاث لا يَغِل - من الإغلال وهي الخيانة - عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم ، فإن الدعوة تحيط من ورائهم»، والمعنى: أن هذه الخلال الثلاث يُستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدَّغل والشر، وأنها من لوازم الإسلام، فمن أخل بواحدة منها كان ذلك نقصاً في إسلامه بقدر ما نقص من هذه الثلاث، إلا أن تفاوت آثارها مختلف، فأثر ترك الإخلاص نقص في دين المرء في خاصة نفسه، وعدم مناصحتهم نقص في دين المرء لتركه حق إخوانه، وعدم لزوم جماعتهم نقص لدين المرء في حق المجتمع، إنساناً وأرضاً، والضرر متفاوت من الأدنى إلى الأعلى، لذلك كان التحذير من ترك الجماعة أشد من التحذير مما قبله «فإن دعوتهم تحيط من ورائهم»، إشارة إلى أن لزوم جماعة أهل الإسلام أمر عظيم، فكانت دعوتهم حافظة وكالئة لمجتمعهم، أو مهلكة لمن خرق إجماعهم، ومن كان كذلك فهو في عذاب مقيم دنيا وأخرى، فقد قال الله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. وروى النعمان بن بشير، رضي الله تعالى عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال على المنبر: «الجماعة رحمة، والفرقة عذاب»، وروى الحارث الأشعري، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «.. أنا آمركم بخمس أمرني الله بهن: الجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، ومن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإيمان والإسلام من رأسه، إلا أن يراجع، ومن ادعى دعوى الجاهلية فهو من جُثى جهنم».
وما كان هذا الوعيد إلا لخطر الفرقة التي تشتت الأمل، وتذهب الأمن، وتفسد المجتمع، أرضاً وإنساناً، فما يصيب المجتمعات في دينهم ولا دنياهم إلا بسبب الخروج عن إجماع الأمة، ولهذا كانت عقوبته شديدة مخيفة، كما جاء: «إن أشد الناس عُتُواً في الأرض رجل ضرب غير ضاربه، ورجل قتل غير قاتله، ورجل تولى غير أهل نعمته، فمن فعل ذلك فقد كفر بالله وبرسله، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً»، لهذا كان السلف أشد الناس خوفاً من الخروج عن الجماعة، وكان الأوزاعي يقول: «خمس كان عليها أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، والتابعون بإحسان: لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المساجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله».
هذا هو منهج أهل الإسلام، فما بال بعض المسلمين يغفلون عن هذا الهدي الرباني والمنهج النبوي والسيرة السلفية، إنه لا يخفى على كثير من الناس مثل هذه الدلائل الواضحة، ولكن أشربت قلوبهم الفتنة، وأخطر ما فيها أنها تجرف من استشرف لها، فيهلك مع الهالكين، ولذا أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، باتباع السواد الأعظم، فقال: «يد الله على الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم، فإنه من شذ شذ في النار»، وورد: «لا يجمع الله هذه الأمة على الضلالة أبداً».
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.