من المجالس

فن التصرف في الثروة

عادل محمد الراشد

«عندك فلس تسوى فلس».. على هذا المثل بنى الكثير من الناس فهمهم لأهمية المال في حياتهم، وبناء على هذه الثقافة نشأت نظريات اقتصادية وإدارية، وانفتحت أبواب «بيزنس» للكثير من الشركات والمنظمات والأفراد ومؤسسات التعليم لتدريب الناس على فن تكوين الثروات. ونجح هذا التوجه ـ إلى حد كبير ـ في فتح آفاق جديدة أمام الطموحين الباحثين عن تنمية دخولهم وزيادة ثرواتهم. وتوسعت دائرة الأغنياء في العالم، وانفتحت أبواب لأفكار جديدة للتجارة وتحقيق الأرباح العالية، وصارت الأفكار والكلمات ذاتها بضائع غالية الثمن تدر الربح الوفير لصاحبها. ومع انفتاح خزائن الأرض وآفاق الأفكار صار المليون مجرد مقبلات لفتح الشهية أمام المزيد من الأصفار على اليمين، وصار لقب «مليونير» يناط بالمبتدئين على طريق تضخم الأرصدة، وصار المليار هو رقم البداية للتصنيف في قائمة نجوم المال، والملياردير هو نوط التميز في عالم المال والأعمال.

لا بأس مادام العصر هو عصر الأرقام وسيادة لغة الأصفار، ومادامت جائزة الفلوس قد تجاوزت أمنية جلب العروس، لكن يجب الحذر من الوقوع في فخ الاستحواذ على النفوس، فبالنسبة للكثير من الناس يتوقف الهدف عند كسب المال وتحقيق الثروة، فتتواصل عجلة صناعة المال في دورة لا مرحلة بعدها، فتصبح الملايين مليارات، ولكنها تبقى، كما قلنا سالفاً، أرقاماً لا يملك صاحبها منها غير كشوفات لحسابات بنكية يتصدرها اسمه، لذلك تبدو هذه المهارة ناقصة وصاحبها يعاني جانباً من الفشل، لأنه لا يستطيع الذهاب إلى ما هو بعد من تكوين الثروة، ليستمتع بمهارة القدرة على التصرف في هذه الثروة.

ولذلك كانت مقولة «دلني على السوق» الخالدة، التي أطلقها الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف، رضي الله عنه، أعمق وأبعد بكثير من مقولة الفلس المفلسة، خصوصا عندما تزكت بثقافة العطاء وتغذت بمعاني تعميم المنفعة.

adel.m.alrashed@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر