مزاح .. ورماح

الحجّي وحماره

أحمد حسن الزعبي

كان معتاداً المشي ضمن الحدود الفاصلة بين حقول القمح والشعير، لا يضر الزروع ولا يؤذيها، فقط يمر بينها اختصاراً للمسافات الطويلة.

رطوبة الأعشاب والحشائش المقلوعة للتو كانت تتسلل إلى جلده السميك، بعد أن تخترق وبره الطويل، كان حماراً صبوراً وقوياً، لكنه لم يكن مطيعاً في معظم الأحيان، فمثلاً في منتصف الطريق، ومن دون سابق إنذار كان يتوقّف هكذا فجأة، «يحرن» عن المسير خطوة واحدة.. يحاول صاحبه جرّه أو شدّ «الرسن»، لكن الحمار «out of service»، يصبر عليه «الحجي» لحظات، ثم يبدأ يكلّمه بهدوء وعتب:

«لو كان وقوفك هذا عطلاً (أوتوماتيكياً)، لصبرت عليك، أو جئت بمن يصلحه.. لكن هذه (الحرنة) الفجائية شو سببها يا حمار يا ابن الحمار؟!».

ثم يفقد الرجل أعصابه.. ويبدأ بضربه بعصا رفيعة على ظهره ومؤخرته، ويشد رسنه إلى الأمام، علّه يعود إلى المسير قبل أن تغرب الشمس وتضيع ملامح الطريق، لكن الحمار كان يزيد «تناحة» و«حرناً»، ويفضل «الصمت» والوقوف ساعات استراحة، لا يستطيع كل علماء الفلك التكهّن بمدتها، الأمر الذي كان يرفع ضغط «الحجي»، فيبدأ يشتمه ويؤنبه، ويوبّخه، وعندما يفقد الأمل في إرهابه، يعرض عليه التفاوض والتفاهم على مطالب محدّدة، كأنه يتكلم مع خصم حقيقي: «شو اللي بدك إياه يا كلب.. ها؟ احكي.. احكي ولا يا حمار؟»..

ذات «حرنة» شهد أحد الفلاّحين جولة من الشتائم والسباب والركل والضرب من الرجل ضد حماره «العنيد»، ولأن «الحجي» مالك الحمار بدت عليه أعراض الإعياء والتعب، خاف الفلاّح على الرجل أن يموت بـ«جلطة» بسبب مزاجية حماره، فقال له:

«صحتك يا حاج، ليش ترفع ضغطك، وتجهد نفسك مشان هالحمار؟ بيعه وارتاح منه يا أخي!».

الحاج: «لولا حاجته يا خوي، صدقني كان زماااان بعته، وخلصت من وجع الرأس».

الفلاح: «طيب بإيش محتاجه؟!».

الحاج: «زي ما انت شايف بجمع عليه العشب وبـ(حشّ) عليه الحشيش».

الفلاح: «طيب لمين هالعشب والحشيش، اللي قاطع ظهرك وانت تلمّ فيه من الصبح؟!».

الحاج: «لمين يعني؟! لهالحمار!».

❊❊

موظف القطاع العام والراتب، مثل قصة الحجي وحماره، الذي يصبّر الموظف على تدني الراتب و«تسمّره» في مكانه، مقارنة مع راتب القطاع الخاص، هو الطمع في مكافأة «نهاية الخدمة».. وعند تسلم «مكافأة نهاية الخدمة» يأخذها راكضاَ لسداد ديونه، التي أورثها «تدنّي الراتب»!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر