أبواب

حول قراءة الفيلم

قيس الزبيدي

لا يتحقق فهم النص الفيلمي من دون صعوبات استقباله من قبل المتفرج، ومن قدرته على قراءة عناصره الفنية، فالمشاهدة كالقراءة هي «إعادة اكتشاف» لمعاني الفيلم المُحتملة.

تأتي صعوبة فهم الفيلم، حسب ماري كلير روبير، من منطق سياق معاني علامات الفيلم ودلالاته لأن طبيعته تؤسس للغة جديدة للسينما مستقلة لهذا فإن البحث في دلالات الفيلم لا ينتج من خلال سؤال يُميِّز لسانياً بين اللغة الطبيعية واللغة السينمائية، كما يفعل كريستيان ميتز، ويكتشف أن السينما ليست كاللغة الطبيعية لأنها لم تستعمل إلا قليلاً من الرموز والعلامات الاتفاقية، وعلى الرغم من انها استطاعت تكريس مجموعة من القواعد الأولية وبعض العلامات الاصطلاحية،إلا أن هذا لا يجعل منها لغة.

يرتكز نظام اللغة على علامات اعتباطية وعلى ثنائية الدال والمدلول، بينما نجد أن الإدراك البصري لا تحكمه أي علامات اعتباطية. وإذا ما كانت العلاقة بين الدال والمدلول في اللغة الطبيعية علاقة منفصلة: الكلمة علامة دالة تنفصل عن مدلولها/الشيء الذي تدل عليه، تكون الصورة كعلامة بصرية، تتشابه فيها العلاقة بين الشيء ومظهره، ويتطابق فيها الدال مع المدلول. وتأتي الدلالة من علاقة العلامة بالشيء المرجع ومن وحدتهما.

تتم مقاربة السينما حسب ميتز من أربع زوايا: زاوية النقد السينمائي وزاوية تاريخ السينما وزاوية نظرية السينما وزاوية الفيلمولوجيا. ويشير ميتز إلى ان الفيلمولوجيا ونظرية السينما يتكاملان عضوياً ومثاله الجيد كتاب جان ميتري «علم جمال وسيكولوجية السينما» الذي يزاوج بعمق بين تكامل زاويتي نظرية السينما وزاوية الفيلمولوجيا.

ناقد آخر هو يوسف ايته مو، يميز قراءة الصورة بين مستويين: مستوى اول لا تتوافر فيه للمشاهد قدرة بناء وهيكلة عالم الصورة، لأنه يتابع بشكل انطباعي سطحي الأحداث بينما تمارس عليه الصورة سطوتها. ومستوى ثانٍ يمكن أن يبحث فيه عن آليات الصورة الخفية، عندئذ تشتغل قراءته في هذه الحالة بطريقتين: تحليل ثم تركيب مُكونات الصورة من خلال وحداتها الصغرى او تحليل الصورة من خلال انشاء علاقات بين مختلف وحداتها. وبالتالي تضع هاتان الطريقتان إشكالية امام ضرورة البحث النظري في غنى طرق المونتاج وأشكاله العديدة مع الأخذ بالاعتبار أن السينما محكوم عليها، حسب جان ميتري، بالإيحاء لبناء تعبيريتها الخاصة لأن فيلماً واقعياً لفيسكونتي يتميِّز بغنى إيحاءاته عن فيلم اخر بوليسي لهتشكوك مثلاً.

لم تستطع «العين الانطباعية» في النقد حتى الآن انتاج خطاب نقدي يؤسس لعلم نظرية السينما، لأن منطق تلقيها تحكمه غرائز الفرجة. اما مقاربة النص الفيلمي، وفقاً لرؤية «العين اللسانية»، فقد يكون نجح نسبياً في مقاربة النص الفيلمي وخطابه مقاربة موضوعية.

يأمل الكاتب عبدالمطلب أعميار أن تنفع نصوصه النقدية المترجمة، أن نشرها في فترة غنية تَعرَّف فيها على أبجديات القراءة في الأندية السينمائية المغربية ويعيد نشرها مجدداً في «في الخطاب السينمائي/‬2010» لأنه يرى فيها أعمالاً تأسيسية لنقد معرفي يحاول أن يضعه أمام المعنيين ببعض تلك القضايا التي تُعنى بإشكالات الخطاب السينمائي والقراءة الفيلمية.

لنذكر «مفتاح» كريستيان ميتز: لم تروِ لنا السينما حكايات جميلة لأنها لغة، إنما لأنها روت لنا هذه الحكايات أصبحت كما اللغة: السينما فن حين تصبح لغة.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر