أبواب

غياب متبادل

علي العامري

مهرجانات ثقافية ومعارض تشكيلية وندوات وأمسيات شعرية وقصصية ومسرحيات وعروض موسيقية تنظمها مؤسسات ثقافية، وتصرف لها ميزانيات جيدة، وتبذل جهوداً في الإعداد لها، كونها جزءاً من الحراك الثقافي في الإمارات، لكن يظل السؤال المتعلق بالجمهور مطروحاً على الدوام في كثير من تلك الفعاليات، مع استثناءات يحضرها جمهور كبير، خصوصاً في المهرجانات الكبيرة التي يُعد لها سنوياً.

ومع كل هذا، يظهر سؤال آخر تفصيلي يتعلق بغياب كثير من المبدعين والمثقفين عن تلك الفعاليات، حتى أصبح هذا الغياب ظاهرة واضحة الملامح، تمكن ملاحظتها في كثير من الأنشطة الثقافية والفنية، والغريب في هذه الظاهرة أنه من النادر أن ترى شعراء يحضرون أمسية قصصية أو معرضاً للفن التشكيلي، وإذا حدث أن رأيت شاعراً «متلبساً» بحضور معرض، فليس لشيء، سوى أن الفنان التشكيلي صديق حميم لذلك الشاعر، أو أن الشاعر حضر إلى قاعة العرض من باب المجاملة أو تلافياً لإحراج. وفي الوقت نفسه يبادله الفنان التشكيلي الغياب بالغياب، إذ من غير المتوقع أن تجد فناناً تشكيلياً أو مسرحياً أو كاتب قصة يحضر أمسية شعرية.

هذا الغياب المتبادل في الساحة الثقافية، لا يقتصر على الإمارات وحدها، بل إنه يمتد جغرافياً ليشمل كثيراً من الدول العربية، كأن الأشكال الإبداعية جزر معزولة تماماً عن بعضها بعضاً، أو أقاليم مسيجة، كل مجال مغلق على ذاته مثل حوصلة، لا تتفاعل مع غيرها من إبداعات.

وإذا تتبعنا جانباً من تاريخ الأدباء والفنانين في العالم، نجد أن كثيراً من المشروعات الإبداعية تشارك فيها شاعر أو تشكيلي أو مسرحي أو موسيقي أو كاتب قصة أو سينمائي، وتتجلى بين المبدعين في مختلف الحقول علاقة تآخٍ إبداعي، كما تتآخى الفنون نفسها، وتتفاعل معاً، لأن جوهر الإبداع واحد، وإن تعددت أشكاله. وإن تعزيز هذه العلاقة، يولّد أفكاراً جديدة، تقوم على «التراسل» بين الحواس، و«التراسل» بين الفضاءات الإبداعية المتعددة.

لكن في الإمارات ومعظم الدول العربية، «يتحوصل» كل من الشاعر والممثل والقاص والسينمائي والروائي، في جزر متباعدة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد أيضاً، إذ أصبحت ظاهرة غياب المبدع تطغى حتى في المجال الإبداعي الواحد، والأمثلة كثيرة على ذلك، فيقام مهرجان للشعر، ولا تجد سوى عدد محدود من الشعراء الإماراتيين والمقيمين يحضرون الأمسيات. ويقام معرض تشكيلي ولا ترى سوى الفنان وأصدقائه المقربين وعائلته في قاعة العرض، وكذلك الأمر في بقية المجالات، باستثناء بسيط يتعلق بفن المسرح، إذ يلاحظ أن كثيراً من المشتغلين بالمسرح يواظبون على الاطلاع على تجارب غيرهم.

وإذا كانت هذه هي حال المبدعين، فكيف نطالب الجمهور بالتفاعل مع الفعاليات الثقافية والفنية.

والسؤال، أين يقع الخلل؟ ولماذا هذا الغياب المتبادل، وكذلك غياب المشتغلين في الحقل الواحد؟ من المسؤول عن هذه الظاهرة؟ وكيف يمكن تحريك المياه الساكنة، فمن يلقي حجراً صغيراً في البركة؟ ومن يبادر إلى تعزيز قنوات التواصل، ليعود الإبداع ورشة يتعاون فيها الفنان التشكيلي والشاعر والروائي والممثل معاً؟

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر