أبواب

الدقائق الثلاث الأولى

قيس الزبيدي

تُخصص الكاتبة الألمانية، فيفيين برونير، الفصل الأول من مؤلفها «الكتابة للتلفزيون»، لشكل «الفيلم الروائي التلفزيوني»، وتُميّزه تماماً عن شكل «الفيلم الروائي السينمائي»، الذي يتمتع إنتاجه بحريّة مطلقة في اختيار مواضيعه، بينما تختلف مواضيع الفيلم التلفزيوني التي يتم اختيارها للإنتاج بهدف أن يشاهدها جمهور كافٍ حتى في إعادة بثها الثالث.

تتطلب الكتابة للتلفزيون الابتكار والمقدرة، لذلك يحتاج مؤلفو السيناريو التلفزيوني إلى فهم أصول الكتابة الدرامية، إضافة إلى معرفة قواعد الأنواع والأشكال، ومعرفة أمثلة منتقاة من أفلام سينمائية معروفة، تُستنبط منها نوعية سينمائية من اجل التلفزيون. وتحذر المؤلفة كتّاب نص الفيلم التلفزيوني، وتبين أن عليهم الاقتصار على انواع مواضيع تتطلبها بنية السرد في التلفزيون، من دون أن يعني تناولها بسهولة او سطحية، فمهمة سرد الحكاية في التلفزيون تبقى ايضاً مهمة فنية ودرامية.

التلفزيون وسيط جماهيري بامتياز، يتعامل بشكل أفضل مع مواضيع تعني أغلبية مشاهديه الساحقة، لهذا فإن الطموح في انجاز فيلم سينمائي للتلفزيون قد لا يعني سوى قلة من المشاهدين. وتذكر المؤلفة مواضيع مألوفة من الانتاج التلفزيوني في ألمانيا تتناول عوالم الحياة الأكثر قرباً من واقع الحياة اليومية، مثل جريمة قتل أو علاقة حب أو فشل زواج أو طموح مهنة. وحتى لو كان الفيلم التلفزيوني الروائي خيالياً أو حتى خرافياً، فإن أحداثه تسير بشكل قريب من الواقع، ونادراً ما يتناول الفيلم التلفزيوني مواضيع خيال علمي أو أفلام رعب أو أفلاماً خيالية افتراضية أو حتى أفلاماً تاريخية ضخمة.

ويفضل أيضاً سرد حكاية في خط زمني متتابع، وفي تناول شخصية واحدة في وحدة مكانية محددة، كما يجب تحاشي سرد قصص لشخصيات عدة، فذلك غير ملائم لطبيعة أغلب مشاهدي التلفزيون، فهم إما أنْ يكونوا أثناء المشاهدة منصرفين إلى تصحيح واجبات أولادهم الحسابية، أو منشغلين بمهاتفة حمواتهم، وهم إذا لم يتابعوا مشاهدة الفيلم، لان أحداثه تجري في زمن آخر، أو أبطاله غريبون فإنهم يغيرون المحطة.

يحب جمهور التلفزيون أن يرى العالم في الفيلم، كما يراه في لحظاته الواقعية المثيرة درامياً، لكن بعيداً عن الحياة اليومية المملّة، إنما كما في تلك المواقف العاصفة التي يُبرهن فيها عن الشجاعة والعشق أو عن حالة حب أو مجابهة شخص ما بحقيقة مرة، ولعل هذا هو سبب قلة الأفلام الميلودرامية في الإنتاج التلفزيوني.

يجري الحديث في الوسط السينمائي عن أساليب مُميزة ويقصد بها اللغة السينمائية والخصال الأسلوبية، وتحاول المؤلفة ان تميز في هذه الحالة بين مصطلح الأسلوب الواقعي، والرومانسي العاطفي، والتعبيري: فالأول أسلوب سرد الواقعي يلتزم مثلاً بواقعية شديدة وشخصياته ليست أبطالاً غير عاديين، والرومانسي يزيد من حدة تكثيف عالم الشخصيات، والتعبيري يصعد من أسلوب عرض الواقع لدرجة يلغي فيها حتى مسار قوانينه الفيزيائية المعروفة.

تبقى تلك القاعدة التي تقول: «على الجثة الأولى أن تظهر في الدقائق الثلاث الأولى»، وهي قاعدة مبالغ فيها لكنها، مبدئياً، صحيحة، فقبل أن نستطيع أن نحكي للجمهور حكاية جميلة، علينا أن نضمن أولاً أن يكون عندنا جمهور، وإذا لم نأسره، فإنه سيهرب في الدقائق العشر الأولى الى محطة منافسة ليشاهد فيلماً آخر.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر