‬5 دقائق

عدد السنين والحساب

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

خلق الله تعالى الليل والنهار، وجعل الشمس والقمر آياتٍ عظيمةً تدل على كمال قدرته وبالغ حكمته، وجعل فيها نفعا عظيما لبريته؛ فمنها يُعلم عدد السنين، وحساب الفلك كما بين ذلك بقوله: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}، وحاجة الناس إلى معرفة السنين كثيرة، فبها يعرفون أعمارهم، ويؤرخون لأحوالهم، ويوقِّتون لمصالحهم، ويعرفون تاريخ من قبلهم إلى غير ذلك، وهذا هو علم الفلك الإسلامي، الذي تعرف به حركات النجوم، والفصول الأربعة.

والبشرية بفطرتها عرفت التاريخ واحتاجت إليه، منذ بدء نشأتها، فقد ورد أن أول من جحد آدم عليه السلام، أن الله تبارك وتعالى أراه ذريته، فرأى رجلا أزهر ساطعا نوره، فقال: يا رب من هذا؟ قال: «هذا ابنك داود»، قال: يا رب فما عمره؟ قال: «ستون سنة»، قال: يا رب زد في عمره، قال: «لا، إلا أن تزيده من عمرك»، قال: وما عمري؟ قال: «ألف سنة»، قال آدم: فقد وهبت له أربعين سنة، قال: «وكتب الله عليه كتابا وأشهد عليه ملائكته»، فلما حضره الموت وجاءته الملائكة قال: إنه بقي من عمري أربعون سنة، قالوا: إنه قد وهبته لابنك داود، قال: ما وهبت لأحد شيئا، فأخرج الله الكتاب وشهد عليه ملائكته.

فكيف عرف آدم كم يعيش هو، وكم يعيش داوود إلا من عدد السنين، وكيف رجع عن وعده إلا بمعرفة الحساب!

وقد جاء القرآن الكريم فأشاد بالتاريخ، وجعل لهذه الأمة تاريخا مستقلا تتميز به عن الأمم، وهو تاريخ ظهور الإسلام وانتشاره بين الأنام، وذلك بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى{لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}، وهو ما فهمه عمر بن الخطاب والصحابة معه رضي الله عنهم، فجعل بدء الهجرة تاريخا للمسلمين، لمعرفة سنيِّهم، وابتُدئ من أول المحرم لأن بداية الإعداد للهجرة كانت فيه، وهو أول الأشهر الحُرُم، وانتهاءً بشهر ذي الحجة، وربط هذا التاريخ بمنازل القمر فيبدأ الشهر ببزوغ الهلال وينتهي بالمحاق، ورتبت عليه مواسم العبادة من حج وصيام.

ولم ينكر منازل الشمس؛ لأنها وثيقة الصلة بأمور المعاش كالزراعة ومواسمها، وأحوال الطقس لارتباطها بالفصول الأربعة، التي تأتي في مواعيد ثابتة سنوياً، فجعلت هذه الفصول تقويما يسمى التقويم الشمسي، كما أن الصلوات مرتبطة بحركة الشمس آناء الليل وأطراف النهار، وقد كان التقويم الشمسي أصلا للتاريخ الميلادي، الذي مر بمراحل من التغيرات حتى أطلق عليه هذا الاسم، وأصبح شائعا ذائعا في العالم كله.

والحقيقة أن التسمية لا تعنينا ما دام أنها مفتعلة لتاريخ قديم، فلا يمنعنا من الاستفادة منه كتاريخ شمسي قديم من قبل الميلاد بقرون كثيرة.

إلا أن ذلك لا يعني ترك تاريخنا القمري الهجري الذي به نفاخر ونتميز، وبه ترتبط عباداتنا وقضايا كثيرة في حياتنا كأمة مسلمة، فلابد من جعله أساسا للتعامل، لأنه يمثل هوية إسلامية راسخة.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر