أبواب

ماذا تريد السينما أن تفعل بتونس؟

قيس الزبيدي

«مدونة السينما التونسية رؤى وتحاليل»، كتاب واسع وشمولي صدر بالفرنسية خلال دورة قرطاج عام ‬2006، وصدر بالعربية عام ‬2008، بعد أن ترجمه مؤلفه الهادي بتكليف من المركز الوطني للترجمة في تونس.

هل تبحث تونس عن سينماها أم تبحث في السينما عن تاريخها؟

ادرك الحبيب بورقيبة سلطة الصورة وبدأ يجهز تونس ويؤسس فيها أصول الإنتاج السينمائي، بعد تفكيك الشركات السينمائية الفرنسية والإيطالية، الذي سرعان ما وظفه لمآربه الشخصية وبدا ملكاً متوجاً لا يفعل شعبه شيئاً سوى أن يُصنمَّه.

إذا كان الصمت في الأفلام التونسية حالة نادرة، فإنه في خطب الزعيم مُكوّن اساسي، فإضافة الى خطبه أصبح بورقيبة سينمائي الصمت الأفضل، حيث اصبحت حركاته وإيماءاته تعوض الصوت ولم تكف الوقائع التونسية ‬1968 والصحافة الحزبية والشاشة الصغيرة وجماهير الشعب لإشباع نرجسية الزعيم وتمجيده، فكان لابد من أفلام روائية ايضاً تعيد رسم تاريخ حركة التحرر الوطني بالهام رجل واحد. وقد تكفل بهذه المهمة المُغرم بالسينما عمار الخليفي في فيلم الفجر/‬1966.

كذلك بدأ نجم بورقيبة يلمع في التلفزيون الذي تأسس عام ‬1966 عن طريق ظهوره اليومي في برنامج «من توجيهات الرئيس»، الذي كان يبث يومياً في القناة الوطنية الأولى في الساعة الثامنة والنصف مساء قبل نشرة الأخبار الرئيسة ويبث كذلك في القناة الثانية.

حينما بدا بورقيبة ينسحب من الحياة السياسية المباشرة بسبب وضعه الصحي، اخذت السينما تصنع له بورتريهات تظهره في عز العمر. وتَعوَّد الجمهور على رؤيته خلال اقامته في الخارج ايضاً وهو يستريح على مقعد في حديقة، بينما يحمل جريدة العمل لسان حال الحزب الاشتراكي الدستوري ويطمئن شعبه على حالته الصحية بابتسامة أبوية.

وبغض النظر عن تلك الإنجازات السينمائية الكبيرة التي حققها مخرجون تونسيون امثال عبداللطيف بن عمار وناصر القطاري وفريد بوغدير ونوري ابوزيد والناصر خمير ورضا الباهي والطيب الوحيشي، وغيرهم من المخرجين، فإن قدر السينما التونسية كان ولايزال مثاراً للجدل وللنقد ولاقتراح البدائل. لكن رغم جدل الماضي وجدل الحاضر إلا أن المشكلات ظلت هي نفسها، مشكلات التمويل والإنتاج المشترك والهوية الوطنية والالتزام ودور النقد السينمائي واختفاء صالات سينما عديدة.

يتابع الكتاب مسيرة السينما في تونس بشكل شمولي شبه موسوعي ويمزج في منهج تحليله بين نفس اكاديمي ونفس أدبي يتناول وفقه بالعرض والتحليل المفصل في اربعة أجزاء أغلب الانتاج التونسي بدءاً من سنة ‬1967 تاريخ العرض الاول لفيلم «الفجر» لعمار الخليفي، اختتاماً بأفلام الجيلاتي السعدي سنة ‬2007، وهو مخرج يعده المؤلف من ابرز الوجوه السينمائية الصاعدة، إلا ان السينما التونسية مازالت حتى اليوم تحتاج اكثر من أي وقت مضى الى بيئة جديدة الى نفس جديد، خصوصاً اذا اريد لها ان تتطور، بعد ثورة الياسمين. وليس أمامه سوى المراهنة على أولئك المخرجين الذين لم يعرفوا الخوف، والذين ما انفكوا يتابعون نضالهم ضد كل ما هو سلفي تقليدي وتلفيقي ممجوج ومتكرر.

ماذا تريد السينما أن تفعل بتونس هل عليها أن تتعامل مع تونس الياسمين أو عليها أن تنظر الى الوراء بخوف وسكينة؟

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر