مزاح.. ورماح

أمراض معاصرة..

أحمد حسن الزعبي

ترافقني الأعراض ذاتها منذ الطفولة، فقدان شهية ودوار في الرأس ووهن عام وأحياناً نوبات إسهال.. فهل أنا مصاب بالتوفئيد؟ ربما.. يقال إن هناك ‬250 مليون عربي يشعرون مثلي بفقدان شهية ودوار في الرأس ووهن عام ونوبات إسهال، لتصبح قاسماً مشتركاً جديداً يضاف إلى مقومات الوحدة العربية المرتّبة كالتالي: الدين والعرق والتاريخ واللغة والجغرافيا والهم المشترك والتوفئيد.

يكاد يكون التوفئيد الإنجاز العربي الوحيد منذ سبعة عقود، وقد يكون الوحيد منذ سبعة قرون، عليّ أن أرجع للتاريخ ثانية لأرى هل ثمّة إنجاز آخر وحّدنا أكثر من أعراض هذا المرض «القومجي المناضل»؟

‬250 مليون عربي يشعرون بفقدان شهية الانتصار، وبفقدان شهية الإصلاح، وبفقدان شهية التنمية، وبفقدان شهية الاتحاد، ‬250 مليون عربي يدوخون عندما يقفون على أرجلهم، فيسقطون بعد أن تنجدل سيقانهم بلحظة عربية مشتركة، ثم ينقلون على حمّالة للصليب الأحمر، ‬250 مليون عربي يقسمون الليمون إلى قسمين، ويقسمون الانكسار إلى قسمين، يعادلون حموضة الضمير، فتنام عيونهم عن كل البلاد التي قد قسمت إلى قسمين وأكثر.

أين نحن من أمراض العالم المتقدّم، حقاً إنها أمراض «بترفع الرأس»، أنفلونزا الطيور، سارس، الزهايمر، حمى الوادي المتصدّع، كلها أمراض متقدّمة تجعل المصاب بها حتى في مرضه يشعر بالتقدم والرقي، أما نحن دول العالم الثالث فأمراضنا «على قد الحال»، أنيميا، توفئيد، سل، كوليرا، حمّى مالطية، سحايا.. كلها أمراض سهلة لكنها تقتلنا، ومن هذا المنطلق فقد تجنّبت الاتصال بأصدقائي الأجانب منذ أن ظهر التوفئيد ثانية، كي لا يعرفوا أننا رجعيون بالمرض.

الأميركيون مثلا، يصابون «بالزهايمر»، خصوصاً أصحاب القرار منهم والرؤساء، تذكرون أن الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان أصيب بالزهايمر بعد أن خرج من البيت الأبيض بسنوات قليلة، ولا أدري لماذا لم يصبه المرض وهو في فترة ولايته وعلى رأس البطش. أصيب الرئيس الراحل بفقدان الذاكرة، معتقداً أو متأملاً من كل الشعوب التي ظلمت أو نكبت أو سلبت أوطانها أن تصاب مثله بفقدان الذاكرة، متّخذاً من قصّة النعامة والرمال نموذجاً للهرب من ناقوس الضمير.

سياسياً، قد تصاب الشعوب بكل الأمراض العصرية والمتأخرة، لكنها محصّنة ضدّ مرضين: الأول الزهايمر، لأنه يعني فقدان تاريخها، والثاني «نقص المناعة»، لأنه يعني ضياع جغرافيتها.. والله وحده الحافظ والشافي.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر