‬5 دقائق

ثقافة التكفير!

د.عبدالله الكمالي

أطلق بعض الفضلاء وسماً خاصاً في موقع التواصل الشهير «تويتر»، يحمل اسم «ثقافة التكفير»، تابعت فيه تغريدات نخبة من طلاب العلم في الإمارات كتبوا عن خطورة الانحراف في التكفير، ويسر الله لي كتابة بعض التغريدات في الوسم السابق، فالانحراف في التكفير داء خطير تصدى له العلماء محذرين ومخوفين الناس من تقحم هذا المجال بالجهل والهوى، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما»، وثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله»، فهذه النصوص الشرعية تبين خطورة الانحراف في موضوع التكفير، لذلك قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: «ولهذا يجب الاحتراز من تكفير المسلمين بالذّنوب والخطايا، فإنه أول بدعة ظهرت في الإسلام، فكفّر أهلها المسلمين، واستحلّوا دماءهم وأموالهم»، وقال ابن أبي العز الحنفي: «فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضاً، ومن ممادح أهل العلم أنهم يخطِّئون ولا يكفِّرون».

ومن أعظم أسباب وقوع الانحراف في التكفير الجهل وقلة العلم، فلو عرف المتحمس في هذا المجال الضوابط الكثيرة التي وضعها أهل العلم لمسائل التكفير وخطورة القول فيها بغير علم لما تجرأ على الخوض فيها، ومن العبارات العظيمة في هذا المجال قول الطحاوي صاحب العقيدة المشهورة: «ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله»، وقال ابن بطة رحمه الله: «وقد أجمعت العلماء لا خلاف بينهم أنّه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنبٍ، ولا نخرجه من الإسلام بمعصية، نرجو للمحسن ونخاف على المسيء».

إن الانحراف في التكفير قد يتولد عند بعض الشباب، خصوصاً بسبب لقاءات سرية واجتماعات مشبوهة وأخذٍ للعلم عن أشخاص تلوثت أفكارهم بأفكار مستوردة ومناهج دخيلة، ولم ينهلوا من المعين الصافي: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بفهم الأئمة الكبار، ولا يتصور أن يبقى الانحراف في التكفير مجرد انحراف فكري خطير فقط، بل سيتطور الأمر إلى إراقة الدماء وترويع الآمنين وغير ذلك من الأمور الجسيمة.

إن علاج هذا الانحراف لابد أن يكون من خلال حملات توعوية شرعية تبين خطر الفكر التكفيري، وتوضِّح ضوابط التكفير التي أوردها أهل العلم في كتبهم، وتبين أن مسائل العلم الشرعي والتكفير لا تؤخذ إلا عن أصحاب العلم الثقات المشهود لهم بسلامة العقيدة والتوجه، ولابد من تحذير شبابنا من كل من يغرر بهم، خصوصاً أصحاب الأسماء المستعارة على الإنترنت ومواقع التواصل، كما يكون علاج هذا الفكر أيضاً ببيان الأساليب المثلى في الدعوة إلى الله وبيان الضوابط الإسلامية في التعامل مع المخالفين، فبهذه الطرق سنحمي مجتمعنا وشبابنا خصوصاً من الانحراف في مسائل التكفير والغلو.

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

alkamali11@

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر