من المجالس

برلمانات بلا أسقف

عادل محمد الراشد

المشروعات الكبرى لا تنطلق من النهايات، والأبنية الشاهقة لا تبدأ من أدوارها العليا، لذلك فإن التنمية لا تتحقق عبر القفز على الحقائق وحرق المراحل، فالتعليم يبدأ من بناء المدرسة ثم يتطور إلى إنشاء مراكز البحث ومعامل كشف الاختراعات وقواعد غزو الفضاء، وكذلك هي التنمية السياسية، لا تتحقق على أصولها بتشييد مباني البرلمانات، وتنظيم الانتخابات، وتوسيع هوامش الصراعات، وتأجيج المواقف، ثم الاعتقاد أن التنمية السياسية قد تحققت، وأن دولة المؤسسات قد قامت، وأن الدساتير قد سادت.

قبل هذا كله هناك دروب طويلة من التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتغيير الثقافي والتدريب السلوكي، التي تجعل التمكين حقيقة ملموسة، والقبول بنتائج اللعبة ثقافة عامة، وممارسة الخلاف بالاحتكام الى الدساتير ومؤسسة القضاء بدلاً من تحريك الشارع واستخدام لغة الصوت العالي. وما يحدث على الساحات القريبة منا في البيت العربي، والأبعد قليلاً في محيطنا الإفريقي والآسيوي، في دول ساقتها نوازل الأحداث ونوازع الاستبداد إلى الانفجار، يثبت أن ما يسمى اللعبة الديمقراطية قد تم تدشينها من النهايات، ولم تراعَ أصول البدايات، وأن الكل هناك يتخيلها نهاية واحدة يكون فيها هو المتبقي وغيره ذاهب إلى غير رجعة، لذلك يكون المشهد فيها ملتبساً، وألوانه متنافرة، وخطوطه متعاكسة، فلا قامت ديمقراطية، ولا تأسست مؤسسات، ولا ترسخت ثقافة الرأي والرأي الآخر، ولا ساد استقرار، ولا تحققت رفاهية، بل صار المعبد كأنه يتهاوى على رؤوس الجميع، انسدادات سياسية، وتراجعات اقتصادية، وشلل مؤسسي.

هذه دروس تؤكد صحة المنهج الذي تسير عليه دولتنا في تحقيق التنمية السياسية عبر ربطها بعناصر التنمية الأخرى، اقتصادياً وتعليمياً واجتماعياً وثقافياً، ليكون التمكين بعدها واقعاً يمارسه المواطن الإنسان هنا، وليس بضاعة يرتفع أو يهبط سعرها حسب مزاج اللاعبين.

adel.m.alrashed@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر