أبواب

الأسهل الصعب

قيس الزبيدي

السؤال الذي يجب أن يُطرح الآن في «مجتمع المعلومات» هو: معرفة من يملك «المعلومات» ومن ينتج أدوات إنتاجها ومن يتحكم في نشرها.

انتهت صورة الحرب الباردة القديمة، وحصل تحول مذهل في اندماج التلفزيون والهاتف والكمبيوتر، وصاحبه تكتل شركات الإلكترونيات الثلاث واندماجها في سوق شبكات إلكترونية مبنية وفقاً لنموذج سوق اقتصاد رأسمالي، تهيمن عليه الاحتكارات العالمية. وأخذ التحول الجديد الذي يسميه بورديو «الأيديولوجيا الناعمة» يتمثل في الجرعات اليومية التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة، وهي تتغلغل يومياً وتنساب إلى عقول المشاهدين والقراء ومستخدمي وسائط «الميديا» المتعددة، ومنها، أساساً، الإنترنت على المستوى العالمي. واستمر الصراع يدور بين من يملكون وسائل الإنتاج وأدوات السيطرة ليفرضوا رؤيتهم للعالم على الآخرين، وأخذت الاحتكارات الرأسمالية المتعددة الجنسيات تهيمن على مجمل النشاط الإعلامي في معظم دول العالم.

لقد ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت من ‬450 مليوناً عام ‬2002 إلى نحو ‬1.463 مليار شخص حتى الآن، حسب آخر الإحصاءات. ويستخدم أكثر من ‬350 مليون إنسان موقع «فيس بوك»، الذي هو أكثر مواقع التواصل الاجتماعي شعبية، وتعد مصر الأولى في الشرق الأوسط استخداماً لـ«فيس بوك»، إذ يضم موقعها ‬2.4 مليون زائر يومياً. وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى وجود ارتفاع متزايد ومتواصل لمواقع الويب، وزاد النشر الإلكتروني من ‬40 مليون موقع عام ‬2002 إلى ‬150 مليون موقع في عام ‬2008، وازداد عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي إلى أكثر من ‬30 مليوناً، فحتى نهاية القرن العشرين كان يعيش في ‬22 بلداً عربياً ‬150 مليون مستهلك راشد، منهم ‬140 مليون مشاهد، يملك ‬51 مليوناً منهم كابلاً أو اشتراكاً فضائياً.

يحلل لايناسو رامونه في كتابه «الصورة وطغيان الإعلام» أزمة الإعلام المعاصر، ويكشف عن سطوة الصورة في التلفزيون التي أصبحت تصنع لأي حدث، وجهاً مرئياً قابلاً للبث التلفزيوني، وكيف أن الخبر الذي يبث مدعوماً بالصور، يصبح تأثيره أقوى من الخبر المهم الذي لا تبث صوره. كذلك يعالج بيير بورديو في كتابه «آليات التلاعب بالعقول» موضوعاً يتعلق في مستواه المباشر بتحليل بنية وآليات منتجات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات الحديثة، ومستواه غير المباشر علاقة الأيديولوجيا بهذه التكنولوجيا، ويتمركز مجال بحثه حول جهاز التلفزيون أداة للإعلام الجماهيري بحق، ويبدو مطلق العنان يصل إلى كل الناس، لكنه وسيط مطيع ومفيد.

مفيد لمن؟ ومطيع لمن؟

من جانبه، يكشف بورديو مصلحة من يقف وراء عملية التضليل الإعلامي، ويأمل أن تسهم تحليلاته في إعطاء أدوات أو أسلحة إلى أولئك الذين يتعاملون مع مادة الصورة ويناضلون من أجل ألا يتحول التلفزيون الذي يمكن أن يكون أداة رائعة للديمقراطية، إلى أداة للقمع الرمزي الذي هو عنف يمارس بتواطؤ ضمني من قبل هؤلاء الذين يخضعون له وأولئك الذين يمارسونه، بالقدر الذي يكون فيه أولئك كما هؤلاء غير واعين لممارسة هذا العنف أو الخضوع له.

ولعل الرؤية التي يقدمها المؤلفان تفيدنا في مسايرة وقيادة التغييرات السياسية والاجتماعية الراهنة في المجتمعات العربية، التي بدأت تتعرض للتغيير: لا ديمقراطية عربية مُمكنة من دون وجود شبكات اتصال ديمقراطية.

ماذا كان بريشت يقول: الأسهل هو ما يصعب تحقيقه!

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر