أبواب

فنان الشعب

قيس الزبيدي

سيرة الفنان يوسف العاني طويلة وثرية في الإذاعة والمسرح والسينما والتمثيل وفي التأليف المسرحي والنقد السينمائي، قلما نجد لها مثيلاً في العراق. وهو إذ حصل على جوائز وتكريمات عراقية وعربية لا تحصى، فإنه استحق أيضاً بجدارة لقب فنان الشعب وهو تكريم ارتبط باسمه، نتيجة لإبداعه ونضاله الاجتماعي المُلتزم بقضية الناس والمجتمع.

من هو هذا المدعو يوسف العاني؟

يُعرِّف يوسف هويته بنفسه: أنا المدعو يوسف «ولدت في الصيف، بلا تاريخ معروف، على سطح عال مكشوف، في الفلوجة، لأقرب من نخلة تمر (بربن)، يقولون إني مَكثت شهرين في بطن أمي، أكثر من الحمل المألوف، جربت عناد الدنيا كي لا أُولد، كأطفال الناس، وأعلنت قبولي فرداً، في هذه الدنيا مضطراً لا مختاراً؟»

بداية استهواه أسلوب يوسف وهبي وتعلق، بعدئذ، بأسلوب نجيب الريحاني وحينما أخذ يتنقل بين مسارح عديدة في العالم، تعلم كثيراً واكتشف أكثر وأسس، تدريجياً، مسرحه الخاص. إذ كان العاني في بداياته حتى منتصف الخمسينات ومن بعد يقف مع الجماهير ليستمع إلى ما يحدث لها، فإنه وقف بعد ذلك أمامها، يمثل في سيناريو لم تنتهِ كتابته بعد، يجسد لها شخصيات أصيلة وأحداثا مبتكرة ويرسم صورة اجتماعية للمحلة الشعبية ويجسد آمال أهلها وأحلامهم ويوحي لمن يشاهدونه بما يمكن أن يفعلوه في حياتهم، ليعيشوا بحرية وكرامة وأمان.

نتلمس في مسرح العاني، حسب الناقد ياسين النصير، ذلك التناقض الاجتماعي الذي يطرحه بصيغ شعبية مختلفة ومبتكرة، تلائم وعي الناس العام ويتناول في العموم مواجهات حادة بين لونين متصادمين، أسود وأبيض: الخادم بمواجهة ألبيك والكادح بمواجهة البيروقراطي والعامل المُستغَل بمواجهة المُستغِل والمُناضل بمواجهة السجن. وكانت مهمة هذين اللونين في فترات سياسية مختلفة في العراق، طريقة تَكشف التناقضات الكبيرة التي يعيشها الناس والمجتمع، ولعلها كانت الوسيلة الوحيدة، وقتئذ، التي تمثل الوجه الشعبي للثقافة الوطنية.

في «الخان» الشعبي وجد يوسف أولاً المفتاح واستعمله في فتح باب «الخرابة» القديم وراح يبحث في«رأس الشليلة» عن فلوس الدواء، في رحلة طويلة من الظلام والضوء، علَّه يحصل عليه لا لينقذ نفسه من مرض عضال، كما هي حال أبطال الأساطير، بل ليستخدمه، مُتعباً، في علاج ناس حي خرابة «ماكو شغل»: «العبرة مو بالتعب، العبرة بالهدف اللي نتعب من اجله». ولم يقف نضاله عند هذا الحد، بل إنه استمر في خطوات أوسع، يسهم في أي محاولة تغيير جذرية في الحياة السياسية والثقافية الاجتماعية، كما كان يتابع بحثه الدائم عن تلك الأشكال الجديدة والمضامين التي تفرضها الحياة.

وهكذا عرفته أجيال عديدة وأحبته وميَّزت جسارة فنه الذي فَتح أمامها باباً ضيقاً، تدخل منه وتتعلم كيف تكتب وكيف تمثل وكيف تحب المسرح وكيف تشاهد السينما.

استطاع يوسف في كل ما كتب وأكثر ما مثل وأغلب ما عمل أنْ يستمر رمزاً من رموز الثقافة وعلماً بين مبدعي جيله كالسياب والبياتي والملائكة وجواد سليم وفائق حسن وإبراهيم جلال وغائب طعمه فرمان. وقد صدق الروائي عبدالرحمن منيف حين أشار إلى دوره في أنْ يكون صلة وصل في ما انقطع ثقافياً وفنياً ووجدانياً بين المثقفين والفنانين العرب.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر