‬5 دقائق

الجنة.. ولو سخر التافهون!

ميره القاسم

عندما نسمع قول أحد التافهين متحدثا باسم الحكومة الإسرائيلية موجها الكلام إلى الإعلام العربي، ويتشكك في قادة حركة المقاومة، قائلا: «إذا عشق فعلا قادة (حماس) الشهادة والموت في سبيل الله كما يدّعون، فلماذا يطالبون إسرائيل بوقف الاغتيالات التي ترسلهم إلى الجنة ؟»!

ماذا يمكن أن يقول المرء عن هذا الهراء؟

أي لغة يمكن أن تحيط بدلالاتها في قلوب ونفوس مَنْ فقدوا أطفالهم وأحبتهم وأهليهم، في معارك الشرف والكرامة ضد محتل غاشم؟!. أي عبارات يمكن أن تصور الألم الذي يعتصر قلوبنا، ويفتك بأرواحنا ويفري أكبادنا ونحن نرى القطاع حزينا مستباحا، يواجه جلاديه وحيداً، أعزل، بلا سند ولا معين؟. أي جرح هذا الذي يظل راعفاً في خاصرة الأمة، وهي لا تفعل شيئاً كأنها اعتادت الألم والهوان؟ أي سخرية يطلقها هذا التافه في الوقت الحاضر، مستهينا بدماء عربية تراق؟!

ولغزة وجع آخر.. ولأنها تهوى الجنة.. تبعث الأحبة إليها فرادى وجماعات، وتزفهم موكباً بعد موكب، بهية هي السماء إذ يصلي فيها الصغار الفجر.. فيا أذان الفجر وأنت تصدح عالياً عانق الأرواح الغضة وبكاءها الخانق قبل القصف! أخبر عنهم خوفهم ورعبهم.. احمل ألم الأرض وجنون القصف.. بلّغ عن حزن الأمهات وأنات الموجوعين وهتافات بنصر قريب.. وأنهم سئموا حياة العالم المأفون بالقتل والصمت.. فرغم الوجع ثمة أعراس تقام ع وقع البارود وتبادل الأشواق مع السماء، ولو كره التافهون، ولو سخر الغاشمون!

فلسطين تنتهك وتُفقد هويتها وقداستها كل يوم، بل كل لحظة ولا يثور لها أحد، لسبب واحد فقط هو أن الذين يشوهونها ويدمرون عروبتها وحضارتها هم الصهاينة، ولو كان المحتل أي أحد آخر، لوجدت فلسطين من يؤازرها ويدعمها ويدافع عنها، أما وأن الصهاينة (في الصورة) فإن العالم يخرس ويصم آذانه.. أمام الصهاينة لا أحد يجرؤ على الكلام، ويبتلع العالم كل حديثه عن العدالة والقانون، ولا يبقى لحقوق الإنسان أي معنى أو قيمة.

من المضحك المبكي أن الكل يتحدث عن قداسة فلسطين سواء الدينية أو الحضارية، لكن هذه القداسة تتبخر في الهواء أمام مصادرة أرضها وقتل أهلها قتلاً بطيئاً، تستخدم فيه كل السبل والوسائل التي تستهدف تهجيرهم منها وطردهم عنها. كأن الفلسطينيين ليسوا من البشر وليس من حقهم أن يسكنوا مدنهم أو يعمروها أو يبنوا بيوتهم المهدمة.. ولا يحق لهم الهواء أو الماء. القوانين الدولية تعمل في كل مكان إلا عند فلسطين فإنها تقف عاجزة وتتعطل. العدالة تصبح منتهية الصلاحية عندما يتعلق الأمر بحقوق الفلسطينيين.

تستعيد الروح واحداً من آلامها الكبرى كلما حضرت فلسطين، تغرق في ما يشبه الرمال المتحركة التي تدخلها في دوامة لا نهائية من الوجع الروحي الذي لا يحتمل.. عندما تحضر سيرة القدس يحتلني خجل مريع، وأستشعر كم أن إنسانيتنا ضحلة وهشة ورثة.. القدس خيمتنا التي تركناها للريح السوداء والأقدام الهمجية.. من أجلك أصلي.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر