أبواب

طباخو الإعلام

قيس الزبيدي

من بين كل أجهزة الإعلام، يُعد التلفزيون آلة هائلة لجمع المال. لا يركز آرثر آسا بيرغر، مؤلف كتاب «وسائل الإعلام والمجتمع- وجهة نظر نقدية»، ترجمة صالح خليل أبواصبع (عالم المعرفة) مارس 2012، على الوسائل الإعلامية وتأثيرها في الجماهير والمجتمع فقط، بل أيضاً على نصوصه وصانعيه، ويتمنى أن يساعدنا مؤلفه على فهم أفضل للدور الذي تمارسه وسائل الإعلام والنصوص التي تنقلها.

«عرف طباخو السفينة التي أقلتنا أنا وزوجتي في رحلة بحرية من سان فرانسيسكو إلى الاسكا أن 80% من متناولي العشاء سيطلبون طبقاً رئيساً محدداً، وأن 10% سيطلبون طبقاً رئيساً مختلفاً». وهذا المثال يشكل قياساً في استخدامنا لوسائل الإعلام، فنحن نميل إلى تفضيل بعض البرامج بناءً على الملامح العامة الديموغرافية، كالعمر والعرق والدين والحالة النفسية. ما نفوذ تعرضنا الهائل في حياتنا وفي حياة المجتمع وفي حياة جميع الناس الآخرين لوسائل الاعلام؟ سؤال يحاول المؤلف الإجابة عنه.

تتناول فصول الكتاب تأثير وسائل الإعلام في أفكار الناس وفي البعد الاجتماعي لجمالياتها وتأثيرها في الجماهير وشرائحهم المختلفة، وفي دورها في المجتمع، إضافة إلى تأثير تقنياتها الجديدة الاجتماعي. وتؤمن مراجع المؤلف التي لا تحصى جولاته التحليلية والإحصائية بشكل ثري للغاية، خصوصاً أنه ينطلق في دراسته من كون العلاقة بين وسائل الاعلام والمجتمع معقدة للغاية، ومن كون السيطرة على وسائل الإعلام من قبل الشركات الأميركية العملاقة تهدف إلى الهيمنة على «ثقافتنا ونظامنا السياسي ومجتمعنا على المدى الطويل».
يحدد روبرت مكانزي تسع شركات أميركية عملاقة من الدرجة الأولى، أكبرها خمس فيها «تايم وارنر»، مبيعاتها عام 1997 (24) مليار دولار، و«ديزني» (22) مليار دولار، و«بيرتلسمان» (15) مليار دولار، و«فياكوم» (13) مليار دولار، و«مردوخ نيوز كوربيريشن» (11) مليار دولار. وشعارها: كُن أكبر، تتمكن أكثر من الهيمنة على الأسواق! وقد تضاعف مثلاً حجم شركتي ديزني وتايم وارنر ثلاث مرات تقريباً في العقد الحالي، وأصبحت تمتلك مصالح في صناعات متعددة ذات صلة بوسائل الإعلام، كإنتاج الأفلام ونشر الكتب والموسيقى والقنوات التلفزيونية وشبكاتها، إضافة إلى المجلات والصحف، بحيث يكون ربح عمالقة الإعلام الإجمالي أكبر بكثير من ربح جميع شركات وسائل الإعلام الأخرى، التي لم يعد بوسعها أن تصمد في التنافس مع هذه الشركات العملاقة التي أخذت تهيمن على قدر كبير من إنتاج وسائل الاعلام، وتوزيعه في سائر أنحاء العالم. لنأخذ الفيلم مثلاً، فإنه ينتج منه موسيقى تصويرية وكتاباً وسلعاً وبرامج تلفزيونية وأسطوانات مدمجة وألعاب فيديو. النتيجة: تُصِّدر هيمنة نظرية الامبريالية الثقافية أو فرضية استعمار الكوكا كولا إيديولوجيتها الرأسمالية ومنظومات قيمها الثقافية وبرامجها التلفزيونية لبقية العالم. وبانتشار هذه الافلام والبرامج التلفزيونية ومطاعم همبرغر وماكدونالد، ومقاهي ستاربُكس، يحصل نوع من التجانس الثقافي وينتشر في جميع أنحاء العالم، لدرجة يبدو فيها كل مكان في العالم شبيهاً بأي مكان آخر، فالناس كلهم يشربون الكوكا كولا والبيبسي ويتناولون الوجبات السريعة، ويلبسون اللباس نفسه، ويشاهدون الأفلام والبرامج التلفزيونية نفسها.
لقد أصبحت الثقافة الجماهيرية ممكنة بفضل التكنولوجيا الحديثة وأخذ وضعها يتفاقم من خلال الروايات المبتذلة والأفلام الهابطة والمسلسلات العاطفية الركيكة لتجعل كل ما نحب ونريد هو الفن الهابط.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر