5 دقائق

اشرأبّ واللغة!

ميره القاسم

على الطاولة المستديرة نفسها التي أجلس عليها كل يوم مع أطفالي لمراجعة واجباتهم المدرسية وتدريسهم.. نتجادل، نكتب، نقرأ، نلوّن، ونبكي أحياناً. أحشي ذاكرتهم بنصوص فظة وغليظة وقديمة، وأنهار من الشفقة عليهم لإجبارهم على حفظ تلك النصوص الرثة التي لن يستفيدوا منها شيئاً في المستقبل، خصوصاً أننا بتنا لا نستخدم الآن معظم الألفاظ الضاربة في القدم، فمن بالله عليكم يمكن أن يستخدم لفظاً مثل «اشرأبّ» في عصرنا هذا! واشرأبّ في اللغة أي اشرأبّ الرجل للشيء وإلى الشيء اشرئباباً، - يا إلهي! تخيلوا حتى برنامج «الوورد» الذي أستخدمه في كتابة المقال وضع خطاً أحمر تحت اشرئباباً تحذيراً على أنها كلمة مجهولة بالنسبة إليه.. «والله عيب»! عموماً باختصار وبكل بساطة طلع معناها مد عنقه إليه «يعني لازم كل هـ اللف والدوران»!
أؤمن بأن اللغة يجب أن تدرس بطرق حديثة ومحببة ـ وعلى طاري «أنهار» ـ قمت بالانتهاء وابنتي من قراءة الدرس المقرر على أن تعرف معاني بعض الكلمات، ومن ضمنها معنى كلمة ينهار، وما كان مني إلا أن ضحكت حد البكاء حين أجابت بكل عفوية ينهار تعني «لما المصريين يشوفون شي ويندهشون يشهقون ويقولون ينهاااااار»!
كلامي هذا لا يعني الاستخفاف بلغتنا الجميلة، لغة القرآن الكريم، فالعربية الفصيحة غنية جداً بألفاظها الجاذبة والبسيطة والأنيقة في آن، وكوني أكتب الشعر فأنا حريصة على مناصرة ومساندة لغة الضاد التي أنتمي إليها، لذا يؤلمني امتهان اللغة الأم على أيدي أناس قدموا إلى بلادنا واستغلوا حاجتنا إلى تعلّم اللغة الإنجليزية فأدخلوها في نسيج محادثاتنا اليومية إلى أن صارت نهجاً يومياً نمارسه في المراسلات ألاداخل المؤسسات الخاصة والحكومية! فكيف بالله عليكم نجذب أطفالنا إلى لغتنا ومجابهة هذا التيار الدخيل الجارف والجاذب بألفاظه السهلة والسلسة؟ هل ب«اشرأبّ واضمحلّ»؟!
هل أبالغ في أن أدعو المسؤولين عن وضع منهج اللغة العربية، إلى أن يخفّفوا من استخدام ألفاظ غير مستخدمة في عصرنا الحديث، وتعد مشمئزة ومنفرة للأطفال ويستبدلونها بأخرى تحبب أبناءنا الصغار في لغتهم لينتموا إليها كهوية؟!

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .


 

تويتر