في الحدث

الخرطوم.. «صحّي النوم»

جعفر محمد أحمد

بغض النظر عمن كان وراء قصف مجمع اليرموك للصناعات العسكرية بالعاصمة السودانية، وسواء كانت اسرائيل - بحسب اتهام حكومة الخرطوم - أو جهة غير معلومة، فإن الضربة الجوية في الحالتين مست السيادة السودانية وهيبتها، وكشفت مدى ضعف قدرات وزارة الدفاع وسلاحها الجوي، وأيضاً استخبارات الحكومة وأجهزتها الأمنية في رصد أية تحركات تهدد أمن الوطن والمواطن.

إن دخول طائرات اجنبية أجواء السودان الشاسعة ووصولها الى قلب الخرطوم وقصفها للمصنع دون أن ترصدها رادارات القوات المسلحة، أمر يجب التوقف عنده، خصوصاً أن البلاد تعرضت من قبل لثلاثة اعتداءات مشابهة، أولها كان ضرب الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق جورج بوش، مصنع الشفاء في الخرطوم بحري في غفلة من رادارات الجيش السوداني، وبعدها تم قصف أهداف محددة في الشرق، تكتمت عليه الحكومة طويلاً قبل الاعتراف به بعدما تناولته المواقع الإلكترونية السودانية المعارضة.

إن استيقاظ العاصمة السودانية صباح العدوان على دوي انفجارات هائلة، وألسنة لهب في سماء ضاحية الشجرة السكنية الواقعة جنوب الخرطوم، وما تبع ذلك من تضارب في تصريحات القيادة السودانية أربك الرأي العام وحجبه عن رؤية الحقيقة، خصوصاً بعد نفي والي الخرطوم عبدالرحمن الخضر عبر التلفزيون أن تكون التفجيرات نتيجة استهداف من أي جهة، وانما خطأ من عامل لحام كان يقوم ببعض الصيانات، وقبل أن يستوعب الناس ما حدث، خرج وزير الإعلام، المتحدث باسم الحكومة، أحمد بلال عثمان في مؤتمر صحافي ليفجر قنبلة مدوية باتهامه التأكيدي لمسؤولية إسرائيل عن القصف، واحتفاظ السودان «بحق الرد في الزمان والمكان المحددين»، مؤكداً بشدة أن المصنع لا يصنع أسلحة محرمة دولياً، وليس تحت الأرض.

مصنع اليرموك الذي لا يعرفه كثير من السودانيين ولم يسمعوا به قبل الضربة، ولا يعلمون أصلاً بوجوده في منطقة الشجرة المدنية المأهولة بالسكان،

والمرتبطة في أذهانهم بالانقلابات العسكرية، حيث توجد بها قيادة سلاح المدرعات أكبر وأقوى أسلحة الجيش السوداني، أثار جدلاً واسعاً وشكوكاً في الداخل والخارج وتباينا كبيرا في التحليلات والروايات، التي تجاوزت المعتدي إلى البحث عن أسباب القصف وقراءته من مختلف الزوايا. بعض التحليلات ربطت العدوان على مصنع اليرموك بتصريح للرئيس السوداني عمر البشير في أعقاب الاطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي، حينما كشف في لقاء جماهيري نقلته مختلف وسائل الإعلام، أن نجاح زوال نظام القذافي تم بواسطة أسلحة تحمل علامة الصناعة السودانية، والبعض الآخر ظل يبحث عن الاسباب دون الوصول الى خيط يقود الى الحقيقة أو يكشف دوافع العدوان حتى وإن كانت مجرد أوهام وظنون واتهامات بلا دليل ضد الخرطوم.

مهما يكن الأمر فإن القراءات لحادث قصف مصنع اليرموك والاتهامات تظل مجرد تحليلات متضاربة لحقيقة غائبة، وحتى تكتمل الصورة وتنجلي حقيقة العدوان على السودان المرفوض محليا وعربيا ودوليا، يجب على حكومة الخرطوم متمثلة في وزارة الدفاع أن تراجع «دفاعاتها» وتحصن أجواء البلاد ليل نهار من باب «صحي النوم»، منعاً لتكرار مثل هذه الضربات العدوانية الموجعة.

jaafar438@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر