أبواب

فيلم يحكي «القتلة»

قيس الزبيدي

تعرفت الناقدة أمل الجمل إلى فيلم طفولة ايفان لتاركوفسكي اولاً في عام ،2005 وقرأت كتابه «النحت في الزمن» في عام ،2006 وأخذت تبحث بعدئذ عن كل ما يتعلق بهذا الفنان الذي يُشكل في رأي الكثيرين من النقاد ظاهرة فنية مميزة ومختلفة، أيضاً عثرت ذات يوم على فيلم «القتلة/1956»، وهو أول مشروع سينمائي دراسي لتاركوفسكي يتألف من مشاهد ثلاثة أخرج منها مشهدين وأخرج زميله الكسندر غوردون المشهد الثالث، والفيلم غير معروف في سيرة تاركوفسكي الفنية بعكس فيلم تخرجه «القاطرة والكمان/1961».

كتاب أمل الجمل «القتلة/ دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة/2012»، هو كتاب قراءة وتحليل ليس فقط لفيلم تاركوفسكي، إنما أيضاً لقصة هيمنغواي القصيرة صاحب رواية «الشيخ والبحر». وكان المخرج روبرت سيودماك قد اخرج فيلم القتلة مع الممثلين برت لانكاستر وافا غاردنر عام ،1946 ثم عاد وأخرجه المخرج دون سيغال عام ،1964 لكن الناقدة ترى أن فيلم تاركوفسكي الروائي القصير هو أهم من الفيلمين الروائيين وأقوى، وإنه حتى يتفوق على قصة هيمنغواي ذاتها، رغم أنه حافظ على روح وجوهر القصة التي ترتكز على فكرة استسلام الضحية لمصيرها، ففي القصة والفيلم نقترب من التساؤل الخفي: لماذا يستسلم الإنسان لمصيره؟ ولماذا يجابه قدره دون مقاومة؟ المهم كيف تتعامل الناقدة مع فيلم روائي قصير ومع قصته القصيرة؟

تعقد مقارنة بينهما تمس جوهر التجربتين الفيلمية والأدبية وتحاول إبراز القرابة التكوينية وتوضيح أوجه الاختلاف لخصوصية كل جنس منهما، أكثر من ذلك تبيان «العلاقة التأثيرية والتبادلية» بينهما.

تقارن الناقدة بين القصة والفيلم في محاولة لتفسير أسباب الحذف والإضافة والتعديل بشكل مفصل وتتناول أدوات الفيلم السينمائية من حركة الكاميرا، زمن اللقطات، الميزانسين، الضوء الى الموسيقى والمؤثرات والمونتاج، وتترجم قصة هيمنغواي «القتلة» وتنقل ديكوباج الفيلم وتكتب دراسة عن اندريه تاركوفسكي وتضع في ملحق الكتاب ما تسميه إطلالة على أرنست هيمنغواي. هيمنغواي وتاركوفسكي شخصيتان مأساويتان وربما ليس من باب المصادفة أن يجمع بينهما فيلم يحكي عن «القتلة».

كتب هيمنغواي بعض أعماله وفقاً لنظرة سوداوية وعدمية أحياناً، لكنه في أحيان أخرى عبر عن قوة الإنسان النفسية وقدرته على تحدي قوى الطبيعة. حصل هيمنغواي على جائزة بوليتزر الاميركية في الصحافة، وحصل على جائزة نوبل في الآداب عن رواية «الشيخ والبحر»، وانتقل أخيراً إلى العيش في كوبا وبدأ يعاني اضطرابات عقلية انتهت بانتحاره، إذ قام بإطلاق الرصاص على رأسه من بندقية صيده المفضلة التي كان والده قد اشتراها له في صباه!

قدمت السينما رواياته «وداعاً للسلاح»، و«الشيخ والبحر»، و«ثلوج كليمنجارو»، و«الشمس تشرق أيضاً»، و«لمن تقرع الأجراس».

بدوره رأى تاركوفسكي أن مهمة الفن تكمن في أنه يحمل توقاً الى المثال، وأن الحياة من دونه تصبح مستحيلة، وقدم أفلاماً مُحرضة وأفكاراً ثائرة لغتها البصرية رصينة أقرب إلى تصوّف الزهاد في روحانيتها، تتعمق في مشكلة حرية الإنسان الداخلية وفي الصراع بين الروح والمادة، وتبرز في أعماله بصمة الزمن على الأشياء والشخصيات.

أخرج سبعة أفلام منها ثلاثة حققها في المنفى، وتُعد أفلامه علامات بارزة في تاريخ السينما، مات مرتين، مرة بالحنين الجارف إلى وطنه روسيا، ومرة بالسرطان.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر