في الحدث

«عيدية» الإبراهيمي

جعفر محمد أحمد

أكثر من شهرين مرا على تسلّم المبعوث الأممي والعربي إلى دمشق الأخضر الإبراهيمي، مهمة حل النزاع في سورية، من دون أن تلوح في الأفق بوادر لوقف سفك الدماء، أو انحسار دوامة العنف، وأخيراً، بعد طول انتظار طالب الدبلوماسي المخضرم وعلى استحياء، طرفي الصراع بضرورة وقف إطلاق النار خلال عطلة عيد الأضحى المبارك بـ «قرار منفرد»، مقزماً طموحاته وآماله في هدنة لا تتجاوز أربعة أيام فقط هي فترة العيد.

اللافت في الأمر أن الإبراهيمي أشار إلى أن دعوته لهدنة العيد «مبادرة شخصية وليست مشروعاً مطولاً أو جزءاً من عملية سلام»، مؤكداً أنها «دعوة ونداء إلى كل سوري في الشارع أو القرية أو مسلح في الجيش النظامي أو من هم في المعارضة»، ما يعني بلغة واضحة، وصريحة، وبعيداً عن اللغة الدبلوماسية، أن الإبراهيمي قد فشل في إقناع دمشق بوقف النار، والآن يطالب المبعوث الدولي جميع الأطراف بأن تتطوع من قبلها «بقرار منفرد»، وليس مبادرة لوقف إطلاق النار.

الإبراهيمي الذي تولى مهمة التسوية السياسية في سورية خلفاً للمبعوث الأممي السابق كوفي أنان،كان يعرف منذ الوهلة الأولى مدى صعوبة مهمته وتعقيداتها، وقد أكد يومها أن المساعي الدبلوماسية لإنهاء الصراع شبه مستحيلة، لاسيما أنه حل خلفاً للمبعوث الدولي السابق كوفي انان الذي استقال بعد أن ألقى باللوم على الاتهامات والإهانات المتبادلة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واستخدام روسيا والصين حق «الفيتو» لإعاقة جهود التوصل إلى انفراجة في الأزمة.

إن خفض الإبراهيمي لطموحاته من إخراج الرئيس السوري من السلطة سلماً إلى مجرد هدنة مؤقتة في العيد، مؤشر خطير يكشف ضيق افق الحل السياسي، وينذر بفشل الوسيط وعجزه عن التقدم في اتجاه التسوية، من خلال تقريب وجهات النظر بين المعارضة السورية والنظام، وهذا يعني أن آخر الوسطاء سيغادر كسابقيه، أنان الذي وصف نفسه بالمجنون لقبوله مهمة سورية، قائلاً لدى سؤاله عما اذا كان يعتقد أنه سيجري اختيار شخص آخر لخلافته «العالم مملوء بأناس مجانين مثلي. ولذلك لا تندهشوا اذا استطاع الأمين العام بان كي مون العثور على شخص ما يمكنه اداء عمل أفضل مني».

ومن قبله فشل رئيس لجنة المراقبين العرب، السوداني الفريق محمد أحمد مصطفى الدابي، الذي لم يسلم من الانتقاد، واتهم بالانحياز الى النظام السوري عبر التقارير التي رفعها، وبين في جوانب منها أن ثمة مجموعات مسلحة موجودة على الساحة السورية تمارس أشكالاً من العنف والقتل.

العيد.. وأي عيد بالنسبة للسوريين الذين فقدوا الأهل والديار والأمن والاستقرار. جاء العيد ولسان حالهم يردد بيت الشاعر ابوالطيب المتنبي «عيد بأية حال عدت يا عيد».. فهل تحقق «عيدية» الإبراهيمي الاختراق، وتنجح الهدنة المؤقتة، في وقف سفك الدماء وقتل الأبرياء، ولو في العيد، وتفتح ثغرة من الأمل في جدار الأزمة المستعصية في سورية، أم تستمر المأساة المروعة طويلاً، وتأكل الأخضر واليابس، كما قال السيد الإبراهيمي؟

jaafar438@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر