أبواب

أسئلة مهنة النقد

قيس الزبيدي

هل يعني مصطلح «نقد» التعرّض إلى شيء لإبداء وجهة نظر فيه سلبية؟ في لسان العرب تعني الكلمة: «تمييز الدراهم وإخراج المزيف منها»، وربما يبدو لهذا أن «التَمييز» هو من أهم وظائف النقد. هناك من يُطالب بأن يكون النقد بنّاءً، وكأن ذلك يعني أن ثمة نقداً هدّاماً.

ما شأن النقد السينمائي؟

يهدف كتاب محمد رضا «أسس النقد»/ كتاب الخليج/ 2011 إلى تحديد آليات النقد، خصوصاً أسس النقد السينمائي. ويحاول أن يكون كتابه تطبيقياً، يستند إلى مفاهيم رئيسة تحدد الشروط الحقيقية لفعل النقد، في وظيفته النقدية والإبداعية.

قديماً كان الفيلسوف يردّ على الفيلسوف، والرسام ينتقد الرسام، والكاتب المسرحي يقيّم المسرحي، وكانت العلاقة قائمة بين المبدعين أنفسهم: المُبدع ينتقد المُبدع الآخر. وكان الوسط الثقافي يتطلّب مثل هذه المساواة في القيمة والمعرفة والمكانة. أما اليوم فإن معظم نقاد المسرح ليسوا مسرحيين، ومعظم نقاد السينما ليسوا سينمائيين، وليس نقاد الرسم رسامين. فمن أين لهم الحق في الحكم على أعمال سواهم؟ وهل يُطالب الناقد أن يكون مبدعاً، أم أنه مجرد وسيط بين عملية الإبداع ومن يتلقونها؟ أم إنه مجرد دخيل لا أحد يرغب فيه؟

لكننا نعرف، أيضاً، أنْ ليس كل من يرسم لوحة، أو يخرج فيلماً، أو يكتب شعراً، هو مبدع، لكن إذا كان العمل المنقود إبداعياً فعلاً، فهل يحقّ للناقد أنْ يتجاوز إبداعه؟ وهل الناقد هو من يحدد ماهية الإبداع فيه؟ وكيف يتسنى للناقد أنْ يميز الإبداع بين الأعمال المبدعة؟ يقوم المُبدع الموهوب بصياغة رؤيته لكي يُرضي نفسه وجمهوره، ولا يكترث لمن يدخل بينه وبين جمهوره طرفاً ثالثاً دخيلاً.

في واقع الحال أن الكتابة النقدية في يومنا هذا لا تتوجّه إلى صانع العمل، أكثر مما تتوجّه إلى جمهوره، وهي كتابة تعتمد على قدرات الإيصال المَبنية على المعرفة والثقافة، ويحاول من يَكتبها الوصول بدوره الى الجمهور، الذي قد يشاركه الاهتمام ذاته.

كيف يمكن للناقد أنْ يفهم العمل الفني أولاً، ويفسره، وهو عمل لا يوجد مضمونه إلا بشكله، ولا يوجد شكله إلا بمضمونه؟ إذن لا ينفع أن يفصل الناقد مضمون الفيلم، لأنه لا يوجد إلا بشكله، ولا ينفع أيضاً أن يفصل شكله عن مضمونه. فماذا عليه أن يفعل؟

ليست المشكلة في «كيف نكتب»، بل في كيف نحلل لنفهم، و«كيف نَفهم» لنُفَهم. كيف يمكن، حسب لوتمان، جعل السينما، التي بلغت درجة عالية من التعقيد السيميائي الدلالي، في متناول جمهور شديد التفاوت في مستواه الثقافي؟

قد يبدو للبعض أن دراسة خواص الفيلم المرئية، لا تهمّ سوى صنّاع الأفلام، لكنها في الواقع خواصّ يُمكن، أيضاً، أن يدركها روّاد السينما، الذين كلما تيسّرت لهم معرفة خواصّ الفيلم وفهمه، حصلوا باستمرار على متعهم الجمالية أثناء المشاهدة.

أعتقد أن أهمية كتاب «رضا» لا تأتي أولاً مما يقول ويشرح، بقدر ما تأتي من الأسئلة التي يطرحها ناقداً، ليس فقط على من يمارس النقد مهنةً، إنما أيضاً على نفسه، خصوصاً أنه ناقد يمارس النقد منذ نهاية الستينات، كما أن مهنة النقد أصبحت منذ عقود مهنته الأساسية.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر