أبواب

أُمية جغرافيا «الربيع العربي»

خليل قنديل

يكشف «الربيع العربي» عن جغرافيا كانت قد صنعتها القوافل والأرجل الحافية، وكانت هذه الجغرافيا قد احتوت على أسماء مدن كانت ظلال مقعد الديكتاتور العربي تلقي عليها العتمة الدامسة، فقبل ثورة الشعب الليبي، على سبيل المثال، كانت المدينتان الواضحتان في جغرافيا ليبيا هما طرابلس وبنغازي، لكن قسوة العدوان الديكتاتوري، وقوة محق القوات المرتزقة التابعة للعقيد سيئ الذكر، والقاذفات العملاقة والصواريخ، جعلت مدناً مثل مصراتة والزاوية وسيرت وبني وليد تحضر جميعها بقوة في مشهد الميديا العالمية، لتؤكد أن هناك أمكنة لا يمكن أن تطمسها صورة العقيد، وأن صلابة المقاومة الشعبية فيها وضعتها في قائمة المشهد الليبي.

وكانت تظهر أسماء لمدن وأماكن موجودة بالاسم ذاته في دول بلاد الشام، وهذا يُعيدنا إلى السؤال عن الذي يجعل من الجغرافيا الأُمية تكرر تسمياتها في غير واقع عربي طبوغرافي.

وأنا هنا أسمح لنفسي بتذكر رواية الأديب السعودي الراحل عبدالرحمن منيف «الأشجار واغتيال مرزوق»، إذ تحضر في الرواية وبقوة قرية الياس نخلة «الطيبة»، التي جعلتنا حين قرأناها في مطلع سبعينات القرن الماضي نبحث عن هذه القرية الذي يتكرر اسمها في فلسطين والأردن وسورية وحتى لبنان. وقد كان اختياراً ذكياً للكاتب، بحيث بدت القرية ذاتها تتكرر في كل هذه الجغرافيا السورية!

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يكتشف المشاهد العربي للفضائيات العربية وهي تضخ مشاهد من قرى وبلدات وأمكنة يقصفها النظام السوري ببراميل الديناميت وبقاذفات الصوريخ، أن أسماء هذه القرى والبلدات موجود مثلها بالاسم في فلسطين والأردن، فأنت تسمع، على سبيل المثال، أن مكاناً اسمه الكرك قد قصفته الطائرات الأسدية، وهو اسم لمدينة مهمة في جنوب الأردن، وتسمع أيضاً عن مداهمة الشبيحة لمدينة أريحا السورية، التي تقابل باسمها أعرق المدن الفلسطينية في التاريخ الإنساني وهي مدينة أريحا، وتذهب الجغرافيا السورية في إعادة إنتاج اسمها من جديد في قائمة القصف اليومي، حين تسمع عن قصف بلدة «كفرنجة»، وهي قرية أردنية تقع في قضاء مدينة عجلون الأردنية!

ويبدو أن الشقاء في الوصول عن طريق الدواب والقوافل والأقدام الحافية لم يكن يجد أي مانع في إعادة تكرار اسم المدينة أو القرية، ربما بسبب أن من كانوا يطلقون الأسماء على بعض المناطق الجغرافية، لم يتعرضوا لقصف بالطائرات النفاثة أو المروحيات، بل كان المُسمى الجغرافي يخرج منهم بعفوية بالغة، عفوية ربما أساسها الأرجل الحافية التي كانت تصنع الطرقات في جغرافيا لم يتوقع أي واحد منهم أن تتعرض لكل هذا الدمار!

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر