5 دقائق

من أخلاق الكبار

د.عبدالله الكمالي

من طبيعة النفس البشرية الوقوع في الخطأ والزلل، فما من إنسان إلا لديه شيء من النقص والخلل، لذلك كانت التوبة والإنابة من أحب الأعمال إلى الله، فهو سبحانه توّاب يحب التائبين، والتوبة والرجوع عن الخطأ من القُربات التي حثّ عليها نبينا، صلى الله عليه وسلم، فالمكابرة عند وقوع الخطأ خلُق قبيح، فالنفوس الكبيرة تجعل الحق هو مقصدها وهدفها، فمن الناس من إذا ذكرته ووعظته استجاب للخير، كما قال تعالى: «والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمّاً وعُمياناً»، ومن الناس من يردّ النقد البنّاء بنقد سيئ، ويردّ النصح بإساءة في الكلام، وقد تأخذه العزة بالإثم، فيبرر الخطأ لنفسه، ويبدأ عندها بحشد الأدلة كي يبرر لنفسه الخطأ على قاعدة: اعتقد ثم استدل، فيلوي أعناق النصوص، ويتمسك بفهمه المغلوط، ولو خالف فهمه فهم الكبار من أهل الرسوخ.

والرجوع عن الخطأ خُلُق نبيل جميل مهما كان الخطأ قبيحاً، بل حتى لو كان الخطأ كفراً بالله العظيم، ثم صدق العبد في الرجوع عنه، وصدق أيضاً في التوبة، فهذا يرجى له الخير، فالشريعة لم تغلق باب التوبة على أحد، وهنا أوجه كلمة لمن زلّ عن طريق الصواب، وانحرف فكره عن هدي الكتاب والسنّة، فأصبح يدعو للفرقة وترك جماعة المسلمين وإمامهم في بلده، ناشراً الفتن والتطرف الذي يحوم حول التكفير بل يلامسه صراحة في بعض الأحيان، مستغلاً مواقع التواصل، متخفياً بأسماء مستعارة عدة، للتغرير ببعض السذج والبسطاء، أو للتطاول على غيره، إن ردّ باطله وعلّم الناس خطورة قوله الفاسد، فأدعو هؤلاء إلى مراجعة النفس والعودة الصادقة إلى اتباع أدلة الشرع والدين بفهم العلماء الراسخين، فلم نعهد هؤلاء العلماء أبدا يدعون للفتن والقلاقل وغيرها، بل رأيناهم يحرصون على اجتماع كلمة الناس على ولاة أمورهم، فهم الذين سطروا في كتبهم «ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً». وسطروا أيضاً: «ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله، عزّ وجلّ، فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة».

فهذا ما كتبه أهل الرسوخ في العلم، لأنهم أدركوا أن الخير كل الخير في اتباع أوامر الله واتباع سنّة النبي، صلى الله عليه وسلم، والفرقة شر وبلاء، فهنيئا لمن أطاع ربه واتبع رسوله، عليه الصلاة والسلام، ثم نشر الرحمة والسنّة في مجتمعه، وحرص على وحدة الصف واجتماع كلمة الراعي والرعية، فإن وقع في تقصير أو زلل أيقن أن الرجوع عن الخطأ من أخلاق الكبار.

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

@alkamali11

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر