في الحدث

عرفات.. السر في الرفات

جعفر محمد أحمد

فرضية تسميم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات «إشعاعياً» عادت مجدداً وبقوّة إلى الواجهة، وفرضت نفسها بعد مرور نحو ثماني سنوات من رحيل «أبوعمار»، وأكثر من شهرين ونصف الشهر من بث قناة الجزيرة الفضائية شريطاً وثائقياً كشفت فيه، بعد تحقيق استمر تسعة أشهر، أن تحاليل أجريت في مختبر معهد الفيزياء الإشعاعية في المركز الطبي الجامعي بمدينة لوزان بسويسرا، على عينات بيولوجية أخذت من مقتنيات شخصية للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، استعملها قبل فترة وجيزة من وفاته، أثبتت وجود كميات غير طبيعية من مادة البولونيوم المشع والسام في جسمه.

هذا التحقيق دفع السلطة الفلسطينية إلى الانتقال من دائرة الصمت إلى المجاهرة بطلب تشكيل لجنة تحقيق دولية في اغتيال الزعيم الرمز، وكذلك شجع أرملته، سها عرفات، على دعوة السلطة إلى التعاون لاستخراج رفاته المدفون في رام الله بالضفة الغربية للتثبت من تسميمه إشعاعياً، وفي حين بدأت الجامعة العربية بجمع الوثائق المتعلقة بظروف وملابسات الوفاة، داعية إلى تشكيل لجنة محايدة للتحقيق في الأمر، كررت مؤسسة ياسر عرفات اتهام إسرائيل باغتيال الزعيم الفلسطيني.

فرضية الاغتيال البطيء بالسم من قبل إسرائيل ليست بعيدة، وقد ترددت منذ اليوم الأول لوفاة الزعيم، وأول من رجحها قاضي قضاة فلسطين الشيخ تيسير التميمي، أحد أقرب المقربين من الزعيم الراحل، وهو أيضاً من قام بغسله، وأول من خرج على التلفزيون ليؤكد أن «أبوعمار» مات مسموماً، مؤكداً أنه زاره في باريس قبل يوم من وفاته، حيث كان في غيبوبة، وكان هناك دم ينزف من كامل جسمه، وبقي ينزف حتى بعد موته، وخلال غسله، وأكد أنه رأى بقعاً غريبة على جثمانه.

الفلسطينيون وغيرهم على قناعة تامة بأن عرفات مات مسموماً، وأن إسرائيل وراء الاغتيال، وهذه الفرضية ليست مجرد شائعة، بل إنها قناعة راسخة ومنطقية جداً، فقد حاول الإسرائيليون التخلص من عرفات منذ وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارييل شارون إلى السلطة، الذي لم يخف نواياه في التخلص من خصمه الفلسطيني العنيد.

تحركات فلسطينية بدأت باتجاه فرنسا، وأخرى ستبدأ قريباً باتجاه سويسرا، بهدف جمع مزيد من المعلومات عن الأسباب التي أدت إلى وفاة الزعيم، وبحسب مسؤولين فلسطينيين فإن قيادة السلطة لا تستبعد إمكانية استخراج عينات من رفات عرفات، إذا كانت ستساعد على كشف الحقيقة.

إن إعلان رئيس مؤسسة ياسر عرفات، ناصر القدوة، قبل أيام، أنه منفتح على فكرة نبش رفات الرمز الفلسطيني للتحقيق في أسباب وفاته، شريطة أن يسبق ذلك تشكيل لجنة تحقيق دولية، يدعم المطالبات الأخيرة بالتحقيق في لغز الوفاة الذي وضع إسرائيل في دائرة الاتهام.

وفي انتظار وصول محققين فرنسيين وخبراء من معهد الفيزياء الإشعاعي السويسري إلى رام الله الشهر المقبل لأخذ عينات من رفات عرفات لفحصها،

وهو تحرك يجيء قبل أسابيع من الذكرى السنوية الثامنة لوفاة عرفات، التي تصادف الحادي عشر من شهر نوفمبر المقبل، نأمل أن تطل الحقيقة برأسها، وينكشف المستور، ويعرف العالم كله الجهة التي اغتالت الزعيم التاريخي والرمز الكبير للنضال الفلسطيني، ومن استخدمته في تنفيذ جريمتها.

jaafar438@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر