أبواب
مديح القتلة
أستغرب أن يظل لدينا كتاب ومثقفون عرب، يساريون ويمينيون معاً، يهللون حتى اليوم لكثير من الكتاب الصهاينة، بحجة دعمهم للسلام. فهؤلاء العرب ينسون أو يتجاهلون أن قادة العدو الصهيوني الأكثر دموية منذ اغتصاب فلسطين، يصرخون ليل نهار مطالبين بالسلام أيضاً.
أما الكتاب الصهاينة، موضع التقدير والتبجيل من قبل كتابنا ومثقفينا العرب، فهم جنود وضباط سابقون، فعلوا بالشعب الفلسطيني ما فعله الجيش الصهيوني في كل مكان وزمان، من قتل وتشريد وتنكيل. وحكاية المطالبة بالسلام بعد التقاعد، أمر يشبه من يريد إعادة الريش إلى طائر بعد انتزاعه بالقوة. هي مجرد أكذوبة ليس إلا.
إن حكاية الظهور لدى بعض الكتاب الصهاينة بمظهر المتعب من تأنيب الضمير، لا تستحق حتى مجرد التوقف عندها، ذلك أنهم جميعاً فعلوا ذلك، قتلوا وشرّدوا ونكّلوا، ثم جاء وقت العفة الإجبارية مع سن اليأس. هل تذكرون يزهار سيميلانسكي في خربة خزعة؟ كان ضابط استخبارات شارك في عملية ترحيل قرية كاملة، لكنه يكتب عن ذلك قائلاً بما معناه أنه كان يشعر بالعطف. لكن الأكثر مدعاة للتأمل في روايته أو يومياته، هو سؤاله عن مستقبل «دولته» حين يكبر هؤلاء الأطفال الفلسطينيون في المنفى! إنه يخاف على تلك الدولة من حقد الأطفال حين يكبرون مع ذكرياتهم الأليمة، أكثر مما ينوء تحت عبء الضمير، ألم يكن في استطاعته التخلي عن المهمة لو كان صادقاً في تعاطفه؟
تعالوا إلى عاموس كينان في روايته«الطريق إلى عين حارود».. ألم يصور الفلسطيني شخصاً لا يؤتمن؟ ألم يصور الصهيوني محباً ومتعطشاً للسلام، بينما الفلسطيني لا يرغب في ذلك؟
وتعالوا إلى عاموس عوز الذي كثر التغني به في الآونة الأخيرة، هذا الرجل قتل ابنه في لبنان، وهو يقوم بتدمير القرى اللبنانية وارتكاب المجازر بحق أطفال الجنوب وسحق أي نوع من أنواع الحياة. ولم يصافح أولمرت بسبب فشل الجيش الصهيوني في عمليته، وبسبب موت ابنه مجاناً. هل يدعو إلى السلام؟ نعم، ولكن بعد ماذا؟ بعد أن قال في سيرته: «إن إسرائيل حلم تحقق». ومن الذي تسبب للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية الأخرى بكل هذا الموت والمعاناة؟ أليس هو نفسه هذا الحلم الذي تحقق؟
يبدو أننا لا نقرأ جيداً، أو أننا نتملق الغرب كيفما اتفق وبأي ثمن. أجل، ثمة كتاب عرب اكتشفوا أن ترجمة أعمالهم ـ حتى وهي رديئة ـ ممكنة فقط في حال نال الكاتب رضا الغربي بإشارة صهيونية.
وإلا، هل يعجبكم وصف ضابط شاعر لبقايا القتلى، من الحذاء إلى الكوفية؟ هل يعني هذا أن الضابط ينوء تحت عبء جريمته؟ فلماذا لم يدرك أنها جريمة حين اقترفها؟ ولماذا بعد تقاعده فقط ينتبه إلى ذلك؟ من فعل هذا كله؟ من ترك هذه البقايا؟ من رسم هذا المشهد بدم بارد؟ أليس هو نفسه؟ فهل يكفي أن ينضم إلى ما يسمى بحركة السلام الآن لكي نكتب فيه القصائد؟
أمر في منتهى الغرابة، أن نسهب في تسخيف أدب المقاومة العربي، ونتفرغ لتدبيج قصائد المديح في القتلة!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .