أبواب

أنا الدولة ــ أنا الشعب

قيس الزبيدي

أصدرت دار توبقال المغربية سلسلة دفاتر فلسفية تجاوز عددها الـ.21 وهي كراريس تتألف من مقاطع فلسفية مختارة حول مقولة واحدة كالحقيقة، الايدولوجيا، الحرية، العنف وحقوق الإنسان. وقد اخترنا هنا مقولة «الدولة» التي أصبحت «أزمتها» تتبوأ مركز الصدارة، بعد أن أضحى الناس في بلادنا يسعون إلى تحويل جوهرها الاستبدادي إلى جوهر ديمقراطي.

من الصعب علينا أن نتصور أن الشعوب، وهي أساس ومصدر كل سلطة، كانت ستلقي بنفسها في أحضان سيد مطلق، نهائياً، من دون شروط، فهي مازالت تختار قادة لها، لكي يدافعوا عن حريتها وليس لإخضاعها. كان pline يقول لـ Traja، لو كان عندنا أمير، فالهدف هو أن يجنبنا الخضوع لسيد!

تعاريف الدولة لا حصر لها، لأن أشكالها جميعاً، من حيث الأهمية والوظائف، غير متساوية، وينطلق أي تعريف من طبيعة كل دولة، أكانت تاريخية، حديثة، صناعية، أو معاصرة. ويصبح بالتالي أي حكم يطلق على الدولة، عند وصف وظائفها ووسائلها، مَنوطاً بجوهر طبيعتها، أن الانتقال من ملكية مطلقة الى ملكية دستورية ومنها الى جمهورية ديمقراطية، لا يعني في الجوهر إلا التقدم نحو الاحترام الحقيقي للمواطن الفرد، فالدولة الحرة لا توجد، ما لم تعترف فعلياً بالفرد كسلطة، ومن سلطته تنبع سلطتها ونفوذها. إن دولة تُقزم رعاياها وتجعلهم مجرد أدوات خنوعة لخدمة مشروعاتها، وإن كانت مفيدة، ستعجز في النهاية عن القيام بمنجزات حضارية، لأنها لن تجد حولها سوى أقزام لا يُعول عليهم.

تسعى كل القوى السياسية نحو استثمار الدولة كرهان للصراع السياسي وحينما يتسنى لأي منها أن يستحوذ على الحكم يعتبر نفسه قد حصل على «غنيمة». يلاحَظُ أيضاً، أن سلطة الدولة الحديثة تتجه نحو التمركز في يد واحدة، بحيث تتجسد ماهيتها في الحاكم الذي تنتظر منه الجماعة، بعد تخليها عن بعض الامتيازات، أن ينصرف للسهر كلياً على المواطنين وأمنهم.

لقد سمي ابن رشد الحاكم الأوحد «وحداني السلطة» لأنه حاكم أسمى، يتمتع وحده بالسيادة والنفوذ، وأنه بدل من أن ينقذ مواطنيه من الاستبداد يوقع عليهم استبداده الأشد شراسة. تترك بعض الدول مواطنيها يتصرفون بحرية قدر المستطاع، لكن شريطة ألا يعتقد أحد أنه حر، وهي تمارس عبر «رقابتها ومراقبتها وشرطتها»، عرقلة كل نشاط حر، لأنها تعتقد أن ذلك واجبها، وهي بهذا تجعل من إنسانها مجرد لا شيء، ولأنه يصبح لا شيء حقاً، يعني أنها لا تستعمله ولا تمنحه أي مهمة حقيقية.

الكذبة الكبرى التي تُروج لها الدولة، يكتب نيتشه، هي: أنا الدولة - أنا الشعب. وحسب روسو، أن الشعب الحر يَمتثِل ولا يخدم أحداً، له قادة وليس أسياداً، وهو لا يمتثل للقادة إلا بقوة القوانين، وعلى الرغم من وجود دستور مدني قائم، لكن لا يحق للمواطن في الواقع أنْ يبت

في الطريقة التي يجب أن يطبق بوساطتها الدستور.

لماذا كل هذا النسيان عبر التاريخ؟ أفليس غاية العقد الاجتماعي الحفاظ على المتعاقدين؟ أفليس من يريد الغاية، له أن يريد الوسائل أيضاً؟

يقول دافيد طورو: «لكي تكون السلطة عادلة يجب أن تملك رضا المحكومين وموافقتهم». كذلك يجد «أن أفضل حكومة، هي التي تحكم أقل».

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر