أبواب

مشهد واحد.. لقطة واحدة

قيس الزبيدي

يعد المخرج ميزوغوشي من أهم مؤسسي السينما اليابانية وأكثرهم تأثيراً في تشكيل بنية الفيلم التقليدي وتخليصه من سطوة المسرح الذي خيّم بتقاليده على أسلوب السينما اليابانية. وكان أغزر المخرجين إنتاجاً، فقد أخرج بين عامي 1922 و1956 ستة وثمانين فيلماً، من بينها روائع فنية، تعبر بشكل كبير عن التقاليد الآسيوية، إضافة الى أعمال مُميزة أخرى تعاملت مع تجربة الناس المؤلمة، وتبلورت أهم موضوعات عالمه الفني في الصدام بين المجتمع التقليدي والمعاصرة، وفي معالجة قضايا المرأة.

كان بازان أول من كشف نبوغ السينمائي الياباني أكيرا كوروساوا، ساموراي السينما، صاحب «راشومان»، لأنه استطاع أن يقدم صورة للتقاليد وللثقافة في اليابان بطريقة «قادرة على الوصول إلى أعيننا وأرواحنا»، وجادل نقاد «دفاتر السينما» الذين جعلوا كوروساوا ضحيتهم، وفضلوا عليه ميزوغوشي الشاعري. كتب بازان: «هل يمكن أن نصل إلى معرفة النهار ونحن لا نعرف الليل، إن من يُفضل كوروساوا ليس سوى أعمى لا علاج له، لكن من لا يحب سوى ميزوغوشي فهو أعور!».

بعد أن نال كوروساوا الأسد الذهبي عام 1951 عن فيلم «راشومان» الذي لعب دوراً بارزاً بتعريف السينما اليابانية في العالم، حصل ميزوغوشي أيضاً على جائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقية عام 1953 عن فيلمه «اغيتسو/مطر الاثنين»، وخصصت مجلة «صورة وصوت» لنقد الفيلم 10 مقالات، وعدته واحداً من أعظم الأفلام وواحداً من أهم 100 فيلم في القرن العشرين.

تبلوَر أسلوب ميزوغوشي في أواخر الأربعينات، واعتمد في سرده على مزج بارع بين الواقع والخيال، وعلى تقاليد الفن التشكيلي الياباني في صنع تكويناته البصرية. ولجأ من البداية إلى أسلوب اللقطة الطويلة/المشهد، التي أصبحت خصيصة مميزة في إخراجه، التي راجت في الغرب في سنوات الخمسينات، ولقيت حماسة كبيرة في فرنسا، بعد أن كان يعتقد أن اللقطات القصيرة في أي فيلم تجعل سرعة إيقاعه مؤثرة أكثر، لكن ميزوغوشي رأى أن في مثل هذا الاعتقاد خطأً جسيماً، وقاده ذلك إلى الابتعاد عن تقسيم المشاهد إلى لقطات عديدة. في فيلم «تشاشينغورا/ 1942» ومدته ثلاث ساعات و35 دقيقة، نجده مثلاً يستخدم 160 لقطة فقط، وهذا يعني أن مدة كل لقطة هي أكثر من دقيقة، بينما في العادة تراوح لقطات الفيلم الروائي ما بين 500 و800 لقطة. ولاشك في أن أسلوبه التعبيري ترك أثره القوي في كوروساوا وكانيتو شيندو في اليابان، وفي اورسون ويلز ومن بعده في غودار وتاركوفسكي وجاك ريفيت، وهكذا وضع ميزوغوشي توقيعه الواضح، منذ البداية، على مشروع مفهوم جمالي لتقنية جديدة: «مشهد - واحد -لقطة واحدة»، من دون أن يوضح الدوافع النظرية وراء استخدامه لها، كما فعل بازان في وقت متأخر.

يحاول الناقد الياباني تيداو سيتو في كتابه «كينجي ميزوغوشي وفن السينما اليابانية»- ترجمة عبدالله ميزر. الفن السابع دمشق 2012 - تقويم موقع عمل المخرج ضمن التاريخ الثقافي والاجتماعي في اليابان، ويرى ختاماً أنه استطاع أن يتناول جوهر المجتمع الياباني بمنهج واقعية وتحليل اجتماعي، رغم أنه ابتعد في غاية البراعة عن تبني أي أيديولوجية مباشرة في تقديم المشكلات الاجتماعية التي تناولها في أفلامه.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر