أبواب

أفلام لا تفقد شبابها؟

قيس الزبيدي

وجد بازان في مجلة «اسبريت/فكر» فيلم جاك تاتي «عطلة السيد هيلو» رائعة كوميدية في إطار السينما الهزلية الفرنسية للسنوات الـ30 السابقة التي بقيت بشكل محزن قليلة الإبداع، إضافة إلى أهميته الكبيرة في السينما الكوميدية العالمية.

وحينما ظهر فيلم العم كان له طعمه الخاص أيضاً في السياق التاريخي للأفلام الفرنسية، وذلك، حسب الناقد والسينمائي تروفو، لأنه عمل فرداني مبتكر ومستقل بذاته. كانت الموجة الجدية وقتئذ تولد وتبتكر أيضاً صورها على طريقة تاتي، لهذا يمكن اعتباره قد بشر بها، فلم يمض سوى عام واحد من ظهور فيلمه حتى أخذت أفلام فرنسية ترى النور: هيروشيما يا حبيبي للان رينيه، وسيرج الجميل لكلود شابرول، و400 طلقة لفرانسوا تروفو، واللاهث لجان لوك غودار.

استطاع فيلم العم أن يثير الدهشة ويحصل على جائزة لجنة التحكيم في كان ،1958 وجائزة أفضل فيلم أجنبي في هوليوود، وعلى أوسمة مختلفة في المكسيك واسبانيا والبرازيل وفنلندا. واحتُفي بتاتي باعتباره التجسيد عينه للعبقرية الفرنسية، رغم أنه كان بالقدر نفسه روسيا، ايطاليا، وهولنديا من خلال أسلافه.

يقول تاتي: أنا لا أحب الإثارة الهزلية لأنها تثقل الواقع بشكل مضحك، والحياة اشد إثارة للضحك من كل الإثارة الهزلية. توجد مدرستان مختلفتان تمام الاختلاف وحتى متعارضتان، هناك من يبتكر إثارة هزلية على الشاشة من اجل إضحاك المشاهدين، أما هيلو فهو على العكس لا يخترع شيئا قط، ولم يكن رائعاً كشابلن، انه بسيط وما يحدث له يمكن أن يحدث لكل الناس، وان المؤثرات الهزلية لا تأتي من صنيعة شخصيته وحدها، بل من صنيعة كل شخصيات الفيلم الأخرى. ويهمس تاتي يوماً: إننا محكومون على الارض بإلوهية هي وعي سكانها. وهيلو المطرود يستعيد موطن آلهة الاولمب من خلال قهقهة يطلقها.

كتب تاتي فيلم وقت اللعب ،1967 وكأنه باليه بصور، وجعل بناءه الدرامي يصدر عن رؤيته البصرية. إنه النقيض الكامل للفيلم الادبي. وسيكتب تروفو رسالة لتاتي: «وقت اللعب» لا يشبه في شيء ما هو موجود، انه فيلم يأتينا من كوكب آخر، تصور فيه الأفلام على نحو مختلف، ولعله يمثل أوروبا المؤفلَمة سينمائياً على يد المريخي اللوميري الأول الذي يرى ما لم يعد احد يراه، ويسمع ما لم يعد احد يسمعه.

يسأل مؤلف كتاب جاك تاتي مارك ديندي «ترجمة زياد العودة الفن السابع 208 دمشق/2011»: الجميل في أفلام جاك تاتي أنها لم تفقد شبابها، لكن ما الذي يجعلها تقاوم مرور الزمن؟ لغز يعجز المرء عن حله! فنحن لا نشاهد اليوم أفلامه لتقويمها وللحكم عليها، وإنما للمتعة الخاصة، فهي أفلام يتعذر محاكاة أسلوبها الفكاهي السينمائي النادر. لا تأتي أفلام تاتي فقط من ممثل، لكن أيضا من فنان شامل، فهو مصوّرٌ، ومصمّمُ رقص، ومؤلّفٌ موسيقيّ، ومعمار وصانعٌ صّوتيّ وبصريّ ماهر،وهو إضافة لكل ذلك رياضيّ ملهم، وبارع.

اليوم بعد أكثر من 30 عاماً من رحيل السينمائي تخرج أعماله أخيراً من المطهر لتدخل بكل بهائها البصري والسمعي بلا صعوبة الى القرن الواحد والعشرين، لتنشر المتعة عند من يشاهدها، وتغمر بمتعة أكثر أولئك الذين حالفهم حظ مشاهدتها في الماضي.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر