أبواب
تركة المبدع
حين يسقط المبدع في حفرة الموت، ويوارى جثمانه، تتحول جميع خصوصياته إلى حالة مجانية يمكن استثمارها وتسويقها، ابتداء من أعز الأصدقاء، وانتهاء بالورثة، لا لشيء إلا أن هذا المبدع قد فقد مخالبه، وتحول كائناً ترابياً أعزل.
ومن هنا يجيء نبش الأوراق والمذكرات والملاحظات التي كان يتعامل معها المبدع طوال حياته بالسرية الكاملة، ومن هنا ينبت الطمع في الاستثمار المالي لمخلفات هذا المبدع، والاستفادة من كل غريب ومفارق كان قد خلفه هذا المبدع.
ونحن نذكر كيف تم السطو على بعض قصائد الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش التي لم تكتمل، وكانت عبارة عن مسودات لقصائد كان يمكن أن تكون مُذهلة لو أن الشاعر درويش أعطي عمراً أطول، لاسيما ونحن نعرف دقته العجيبة في انجاز قصيدته واكتمالها، لكن بعض أصدقائه لملموا أنصاف هذه القصائد وتمت طباعتها في كتاب أثار الكثير من الجدل آنذاك.
وفي هذا السياق غامر ورثة الكاتب الأميركي آرنست همنجواي ببيع مخطوطة روائية في مزاد علني كانت قد صدرت له سابقاً، لكن الورثة الذين يطمعون في الصرعة وحرق سوق النشر قدموا المخطوطة التي تحتوي على هوامش وتعديلات وأكثر من إقفال محتمل للرواية ذاتها بخط يد همنجواي، وبالتأكيد كان لهؤلاء الورثة الكثير من الربح.
وفي هذا السياق أيضاً، وضعت وكالات الأنباء قبل أسبوعين عنواناً جاذباً لرواية للكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو قائلة «بات في وسع القراء أن يكتشفوا أخيراً (الكتاب الضائع) الذي ألفه هذا الكاتب الشهير حين كان شاباً غير معروف، والذي لم يشأ أن ينشره في حياته». ومع أن ساراماغو لم يشأ نشر الكتاب في حياته، إلا أن أرملته الصحافية بيلا ديل ريو أعلنت خلال عرض للكتاب في مدينة مدريد أنه كان يسميه «الكتاب الضائع».
وتعود قصة الكتاب الى أن ساراماغو حين وكل الكاتب الشاب صديقاً له بإرسال المخطوطة إلى دار نشر برتغالية، خابت آماله فلم يحصل من دار النشر على أي جواب. وفي عام ،1989 حين بات كاتباً معروفاً، اتصل به الناشر ليقول له إنه يشرفه نشر كتابه الذي عثر عليه حين كان «يوضب» الأغراض لنقل الدار الى مكان آخر، وحينها رفض ساراماغو العرض واسترجع مخطوطته ورفض أن يتم نشرها في حياته.
والسؤال: كيف قبلت امرأته أن تخالف رغبة زوجها المتوفى وتنشر الكتاب؟ الجواب: هو حمى ورثة المبدع في البحث عن الربح والمال الرخيص.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .