أبواب

«شمس العرب تسطع على الغرب»

محمد المرزوقي

حينما أقف أمام الواجهات الزجاجية للمكتبات، وأتأمل الكتب وهي تراودني عن أغلفتها، أشعر بأنني أقف أمام أفق واسع وجميل، وأرى في عنوان كل كتاب نافذة يمكنني أن أهرب من خلالها إلى عوالم ملونة، كتلك النافذة التي سقطت فيها أليس إلى بلاد العجائب.

وكتاب «شمس العرب تسطع على الغرب» هو من ذلك الصنف من الكتب الذي يصرخ في وجهك - وأنت في المكتبة - «هيتَ لك»، وما إن تمسك به حتى تنتقل في ثانية واحدة إلى تاريخ مضيءٍ مضى.. كأنك ركبت آلة الزمن. عنوان الكتاب مثيرٌ ويلفت النظر لسببين: أولهما، لأنه يتجاوز سوء الفهم المتبادل/ المتداول بين الشّرق والغرب، وثانيهما، لأنّه يحطّم تلك الكليشيهات التي يطلقها الغرب في حقّ العرب، بقدر ما نفعل نحن في حقهم. حين قرأت اسم المؤلفة، اشتعل فضولي حتى كاد يحرقني. «زيغريد هونكه».. اسم ألماني سبق أن سمعت به، إنّها المستشرقة الألمانية التي أصابتها شمس الحضارة العربيّة بالانبهار الضوئي. انبهارٌ يشبه ذلك الذي قد تصاب به امرأة ريفية تشاهد أبراج دبي المضيئة للمرة الأولى فتحبها، كذلك، أعلنت زيغريد هونكه الحبّ على العرب، وصرفت جلّ وقتها وجهدها للدّفاع عنهم وعن قضاياهم.

يعدّ كتابها «شمس العرب تسطع على الغرب»، وفي رواية أخرى «شمس الله تسطع على الغرب»، الأشهر بين كتبها - إلى جانب كتابها «الله ليس كذلك» - التي تربو على الخمسة عشر كتاباً، تناولت في كتابها العرب الذين أشرقت شمس الحضارة من سمائهم الصافية تناولاً موضوعياً عرّضها لهجمات لاذعة، واتهامات بالتحيّز للعرب والمسلمين. يقول مترجما الكتاب إلى العربية، فاروق بيضون وكمال دسوقي، إن الكتاب كان ثمرة سنين طويلة من الدراسة العميقة والمتعمقة في شؤون العرب. والمكتبة الألمانية لم تكن تحتوي في هذا الحقل الواسع، سوى عدد من المقالات المتناثرة في المجلات العلمية التي لا تشفي غليل الباحث. ولقد كان ظهور هذا الكتاب حدثاً كبيراً في ألمانيا وأوروبا علقت عليه مئات الصحف والمجلات، وشهد في عامه الأول معركة حامية الوطيس لم يعرفها كتاب غيره في ألمانيا، وبهذا لاقى الكتاب وسط هذه الضجة نجاحاً منقطع النظير فأعيد طبعه وترجم إلى عدد من اللغات. تقول المؤلفة في مقدمة مؤثرة توجت بها الطبعة العربية من الكتاب: «أردت أن أكرم العبقرية العربية، وأن أتيح لمواطنيّ - الألمان - فرصة العودة إلى تكريمها، كما أردت أن أفي العرب ديناً استحقّ منذ زمنٍ بعيد». ثم تقول في أحد الفصول، بعد أن تستعرض منجزات علماء العرب العلمية: «لم يعمل العرب على إنقاذ تراث اليونان من الضياع والنسيان فقط، وهو الفضل الوحيد الذي جرت العادة على الاعتراف به لهم حتى الآن، ولم يقوموا بمجرد عرضه وتنظيمه وتزويده بالمعارف الخاصة، ومن ثَم إيصاله إلى أوروبا، بحيث إن عددًا لا يحصى من الكتب التعليمية العربية حتى القرنين (16 - 17) قدمت للجامعات أفضل مادة معرفية، فقد كانوا - وهذا أمر قلما يخطر على بال الأوروبيين - المؤسسين للكيمياء والفيزياء التطبيقية والجبر والحساب بالمفهوم المعاصر، وعلم المثلثات الكروي، وعلم طبقات الأرض، وعلم الاجتماع، وعلم الكلام». لا يسعني المقام/المقال للمضي في وضع اقتباسات أخرى من هذا الكتاب الذي يقع في 588 صفحة. وحسبي أنني سلطت الضوء على إنسانة غيّبها الموت قبل أن نقول لها شكراً.

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر