أبواب

رمضان وصل

محمد المرزوقي

أخيرًا وصل رمضان، مثل حلم مضيء، هلاله معلق في السماء، ويتدلى من طرف ذيله فانوس ينزّ نورًا ورحمة، لكن هلال رمضان هذا العام مختلف، إذ يقول الفلكيون إن الهلال - في رمضاننا هذا - سينام إلى وقت متأخر، ولن يستيقظ قبل السابعة مساءً، ألا يعلم الهلال أننا لا نستطيع الخروج من دونه؟ لا يمكننا الذهاب أبعد من أماكن عملنا، في هذه الحرارة الملوثة لكل شيء.

ذكرني الوضع بطرفة الأعرابي، الذي يبدو أنه لم يصفّد جيدًا، حين سُئل في يوم حار، وكان يصوم للمرة الأولى: كيف وجدت الصيام؟ فأجاب: انظروا إلى رحمة الله بالعباد فلولا المضمضة في الوضوء لمتنا من العطش!

أو ذاك الأعرابي الآخر، الذي دخل عليه رمضان في القيظ، فقال «والله لأبددنه بالأسفار».

رمضان، الكائن الذي اعتدنا السهر معه طوال سنين، ينبهنا الفلكيون إلى أنه سيتحول للمرة الأولى منذ 33 عامًا إلى كائن نهاري. في النهار تصوم كل الأشياء: الشوارع، نسمات الهواء، الطيور، جميعها تصوم عن الحركة وتتململ في أحضان الحر بوداعة رغيف يشوى في التنور.

فقط عندما تغرق الشمس في مياه الخليج، ويستيقظ الهلال من نومه، تصحو المدينة.

***

ليست الفوانيس وحدها من علامات رمضان في مدينتنا، فتشوا عن رمضان جيدًا وستجدونه في: البسمات التي نتبادلها مع الجيران قبل اللقيمات، شراب التوت الرديء الذي يخط شوارب الأطفال، وشواربنا أحيانًا، دوي المدفع وهو يعلن بدء الطقوس الليلية، وفرحة الفقراء. رمضان مَعِينٌ ومُعِينٌ لكل هذا الخير والجمال.

***

في أوّل يومٍ من رمضان ، كما في كل رمضان، أبتسم لمصحفي العتيق، أصافحه بيد، وأمسح عليه باليد أخرى، وبحماس، لا يلبث أن يخبو مع انقضاء خامس يوم، أصمّم على ختمه مرتين، وأتذكر الإمام الشافعي، فقد كان، رحمه الله، يختم القرآن مرتين كل يوم - وليس كل شهر - أي بمجموع ستين ختمة في رمضان، ثم أتذكر أنه لم يكن يضيّع أيام رمضان سدىً، كما نفعل نحن، فلم يكن يشاهد المسلسلات، ولا برامج الكاميرا الخفية، ولا فوازير رمضان، بل كان، بحسب بعض الروايات، ينقطع عن دروسه الدينية في المسجد ويتفرّغ للقرآن.

أي إيمان هذا! لو كنا نملك ربع إيمان الشافعي فقط!

***

في اللحظة التي تنزع فيها الورقة الأخيرة لشهر شعبان من الرزنامة وتستقبل رمضان، تدرك، بل تفاجأ، بأن رمضان سريع الخطو، يتفلّت منك، ولا تستطيع الإمساك به، مثل حلمٍ مضيء جاء بسرعة ورحل. لنحاول أن نجعل من رمضان، قبل أن يرحل، فرصة لتكون قلوبنا أكثر جمالاً ونقاءً، فإن لم نستطع أن نتغير إلى الأحسن فلنحرص على ألا نتغير إلى الأسوأ.

 al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر