أبواب

رجال كنفاني في السينما

قيس الزبيدي

يعود سؤال المقاومة في الذكرى الأربعين لرحيل الكاتب الشهيد غسان كنفاني، ليتكرر كما في كل ذكرى: لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟

كتب غسان كنفاني سبع روايات، وخمس مجموعات قصصية، وأربعة كتب في السياسة والنقد ومسرحيات عدة، إضافة إلى ممارسته الفن التشكيلي، ومن يَعُدْ إلى أعماله الأدبية يجدْ تفاوتاً في نوعيتها خصوصا الروائية، وتبقى من بينها روايات «رجال في الشمس»، و«ما تبقى لكم»، و«عائد إلى حيفا»، التي تعد من أفضل رواياته، ومن أفضل الروايات العربية باعتراف النقاد.

سبق لبريشت أنْ لاحظ كيف أن «مشاهد السينما يقرأ الرواية بشكل آخر، لكن كاتب الرواية هو أيضا مشاهد للسينما». لنعيد إلى الذاكرة ذلك التأثير الذي مارسته السينما في الأدب. ليو تولستوي نفسه اعترف في عام ،1908 بعد أن شاهد الأفلام الصامتة، بأنه يريد أن «يكتب كما تُصور السينما»، وظهر، بعدئذ، أدباء يكتبون رواياتهم كما لو أنهم يكتبون للسينما، وأخذوا يمارسون، في الوقت نفسه، هذا التأثير في غيرهم من الكتاب، ويعترف غسان كنفاني بتأثير وليم فولكنر ـ الذي تأثر بالسينما ـ في أسلوبه الأدبي، ومحاولته الاستفادة من الأدوات الجمالية، والأساليب الفنية التي حققها الكاتب الأميركي في رواياته.

كانت القضية التي تؤرق غسان كنفاني في كتابة الرواية، هي فنية الشكل، فهو لم يستعمل في كتابته تقنية واحدة ولم يكرر شكلا روائياً، بل حاول أن يطور باستمرار الشكل الروائي الذي ينجزه، ليتجاوزه إلى شكل روائي جديد. ويبدو واضحا سعيه في سرد رواياته، وفقاً لتقنيات المونتاج السينمائي، وتعدد جهة السرد، والعناية برسم بصرية سينمائية، مع عنايته الفائقة ببناء زمن الأحداث، لا على أساس التعاقب الخطي للصور فقط، إنما أيضا على أساس توازي الصور وتزامنها، لهذا لا نجد في رواياته أدبا خالصاً، بل نجد أدباً فيه «سينما» أكثر بكثير من الأفلام.

لاتزال حصيلة السينما في اعتماد روايات غسان، حتى الآن، أربعة أفلام روائية عن ثلاث روايات، هي «رجال في الشمس»: (فيلم المخدوعون السوري، لتوفيق صالح 1971)، و«ما تبقى لكم»: (فيلم السكين السوري، لخالد حمادة 1972)، و«عائد إلى حيفا»: (فيلم عائد إلى حيفا الفلسطيني، لقاسم حول ،1981 وفيلم: المتبقي الإيراني، لسيف الله داد 1995).

وهناك من يعتقد أن الفيلم السوري الأول «رجال تحت الشمس»، مأخوذ عن رواية كنفاني «رجال في الشمس»، غير أنه تضمن ثلاث قصص عن المقاومة الفلسطينية، كُتبت مباشرة للسينما، وحمل عنواناً مشابهاً لعنوان رواية كنفاني.

ومع أهمية الأفلام العربية الثلاثة، التي استندت إلى نوعية خطاب ثقافي جاد ورصين متماثل مع نوعية خطاب الكاتب نفسه، فإنّ مهمةَ أي سينمائي، يختار رواية ما من روايات كنفاني مستقبلاً، أن يجهد بالبحث في عملية الإعداد عن المعادل السينمائي للبناء المونتاجي الأدبي في أدب كنفاني، وعن مستوى البناء الزمني للماضي والحاضر في سرد أحداث رواياته، ليست كما حدثت، بل كما يمكن لشخصيات أبطاله أن يستحضروها فنياً، عليه أيضاً أن يجد المعادل السينمائي المناسب لتعدد أصوات السرد ولإيقاعه ووتيرته، من خلال حبكة فنية، تربط بين تطوير بنية الحكاية السينمائية وأحداثها وشخصياتها، في نسيج الحكاية المؤفلمة.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر