أبواب

مستقبل مصر الثقافي

سالم حميد

من النكات التي تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قبل وخلال الانتخابات المصرية، حول الوضع الثقافي والفني في مصر، في حال فوز الإسلاميين بالرئاسة المصرية، أن راقصة وفنانة مصرية سئلت ماذا ستفعل في حال فوز الإسلاميين؟ فأجابت بلهجتها المصرية «ما فيش مشكلة، في المسلسلات هناك مؤمنون وكفار، وأنا جاهزة لأداء أدوار الكفار».

الآن فاز الإسلاميون، فهل سترتقي الأعمال الفنية المصرية، أو سيُفرض عليها نوع من التحفظ؟ هل ستقيد حرية الإبداع؟ نحن هنا لا نتحدث عن الأعمال الدرامية فقط، بل عن جميع عناصر الثقافة والفن بجميع فروعه، عن التشكيل والمسرح والسينما والغناء والرقص والأدب والقصة والشعر، هي جميعها مكونات الحراك الثقافي في بلد كمصر، بلد كان ولايزال محركاً ثقافياً للعالم العربي، فهل ستتغير مصر؟ وهل سيتغير واقعها الثقافي بتأثير من الواقع السياسي الجديد؟ فحرية الإبداع ضرورة لاستمراره، أما التوجيه والتأثير في فكر المبدع وأدواته ووضع القيود، فبكل تأكيد ستغير وجهته وستؤثر في الناتج الثقافي وتشوهه، وهناك شواهد كثيرة على ذلك في بلدان عدة، فهل ستصبح مصر مثل إيران وسيُعامل المثقف والرأي الحر بالطريقة القمعية نفسها؟

إن الفكر الخلاق والمبدع وقادة الرأي من المثقفين كان لهما دور أساسي في ثورة الشعب المصري، وكانا محركَين ومساندين في الكثير من خطوات التحرر من العهد البائد، أما الخلاف حول المثقف وتشجيع الثقافة الشعبوية الموجهة، وقمع الأخرى الحرة التي يتهمها البعض بالنخبوية، فهو أمر مؤسف.

جريدة الأهرام المصرية، في ضوء مسايرتها الواقع الجديد أقدمت على تشويه أحد الأعمال الفنية للفنان عبدالهادي الجزار، وهو لوحة «الكورس الشعبي». ربما تكون بداية لصدام طويل ومرحلة صعبة وقمع للحريات الفنية.

ربما كان أجدى بالصحيفة عدم نشر هذه اللوحة من أن تقوم بتشويهها، والقضية عموماً ليست في التفاصيل، إنما في القضية ككل، إذ إن قمع الحرية، والتدخل، وأخذ دور الوصي على الفكر الإبداعي أمور مرفوضة تماماً، فتخيل لو يقوم مستقبلاً هؤلاء بتغطية تماثيل «فينوس» التي تستخدم في كلية الفنون في القاهرة، بحجة أنها لا تتناسب مع القيم! هي مرحلة صعبة في تاريخ مصر التي لطالما قدمت نماذج ثقافية متنوعة، ولطالما قادت حركة الإبداع في العالم العربي، هي مصر الولادة أبداً، فهل ستنجب من الآن فصاعداً مثقفين مشوهين؟!

نعود إلى الأسئلة التي نطرحها في بلد كمصر، التي قادت ثورة شعبية باسم الحرية، فأي حرية سنرى؟ هل سنشهد رقابة على الرواية والقصة، وتقييداً للتمثيل وللدراما، وقمعاً للفنون؟ نعود لنتمنى أن تحافظ مصر على موقعها الثقافي، وأن تكون مثالاً على تقبل الرأي والرأي الآخر، على تقبل الشيء ونقيضه، لأن تلك الاختلافات هي التي تلون علم مصر، وليس اللون الواحد القاتم.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر