5 دقائق

الكلمة الطيبة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

الكلمة الطيبة سلوة حزن، وبلسم جراح، ومفتاح سعادة، وكسب مودة، تود النفوس سماعها فتأسر السامع، وتحرك معادن الطيب فيه فيرد بأحسن منها أو مثلها، لأن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، ولا يُذهب إساءة السيئين إلا لين القول، وطيب المشاعر التي تعبر عنها الكلمة الطيبة، ويمكن تعريف الكلمة الطيبة في مصطلح التخاطب بأنها: القول الحسن الذي يستحسنه السامع ويحرك كوامن الخير فيه، أما في المصطلح القرآني فهي قول «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، لأنه مفتاح الجنة، ومبدأ السعادة الأبدية، ولا يثقل معه شيء في موازين يوم القيامة. ولعظيم أثر الكلمة الطيبة في النفوس وكبير نفعها في الدين والدنيا؛ جعلها المصطفى صلى الله عليه وسلم سبباً للنجاة من النار، فقال «اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة»، فجعلها تعدل الصدقة التي يكون المسلم في ظلها، ويتقي بها وهَج النار، وهذا من فضل الله تعالى على العباد، وإرادته الخير لهم، فإن المسلم إن عجز عن الصدقة بالمال التي تسد حاجة الفقير، فلن تعجزه الكلمة الطيبة والقول الحسن الذي يجبر خاطر السامع، ولعله يفضله على الصدقة التي قد يتبعها من أو أذى، فلا يعجز عن هذه الكلمة اليسيرة أداءً الثقيلة أجراً إلا من كتبت عليه شِقوته، ليكون من الخاسرين.

هذه الكلمة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم متصفاً بها فتلين له جبابرة البشر، وطغاة الكفر، فيدخلهم في دين الله رغَباً، ويحرزهم من النار التي وقودها الناس والحجارة، وقد كان عليه الصلاة والسلام يحث عليها فيقول: «في ابن آدم ثلاثمائة وستون سُلامى، أو أعظُم، أو مفصل، على كل واحد منها في كل يوم صدقة؛ كلمة طيبة يتكلم بها الرجل صدقة»، فجعلها من شكر الله تعالى على سلامة الأعضاء التي لا تقدر بثمن، فتكون سبباً لحفظها وبركتها، ولما سمع أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها تنافح عنه صلى الله عليه وسلم بما يجدر أن يكون؛ نهاها عن ذلك فقال: «مهلاً يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله»، وفي رواية قال: «يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش».

هكذا يريد المصطفى عليه الصلاة والسلام أن نقول للناس حسناً، ونلاطفهم في القول، ونلين لهم الجانب، ونقسط لهم في الفعل، ونحب لهم ما نحبه لأنفسنا، فلو أن الناس نهجوا هذا المنهج الراقي لدام بينهم الإخاء والتلاقي، وسلم الناس غوائل الشرور والفتن، وعاشوا بعيدين عن الإِحَن، ولكنهم يأبون كل ذلك فيسيئون في القول كما يسيئون في الفعل، فلا تسأل عما يحدث بعد ذلك من فتح أبواب الشر المستطير الذي لا ينسد إلا بإحدى الكُبر، وقد نفر الله تعالى من ذلك، فقال: {لا يُحِب اللهُ الْجَهْرَ بِالسوءِ مِنَ الْقَوْلِ إلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً}. أي سميعاً لقوله إن تجاوز الحد في الرد، عليماً بما في سريرته من الفحش، وأمر أن يكون القول حسناً ليناً، فقال: {وَقُولُوا لِلناسِ حُسْناً}. فأين السامعون المطيعون؟!

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر